الرئيسيةرأي وتحليل

صناعة الانتصار الوهمي، الحرب مستمرة – بلال سليطين

يُنظر للشعب في سوريا على أنه قطيع يستطيعون الذهاب به كيفما أرادوا. ولنا في مصطلح الانتصار الوهمي الشهير “خلصت وفشلت” الذي تبنته السلطة في سوريا ووسائل إعلامها عام 2011 خير دليل. لم تتعلم السلطة ولا وسائل الإعلام من تلك التجربة وقررت إعادة تكرارها عام 2018 لكن هذه المرة كانت نتائجها كارثية جداً.

سناك سوري – بلال سليطين

دأبت وسائل الإعلام منذ منتصف عام 2018 على تسويق خطاب الانتصار. وتبنت سردية لقد انتصرنا وهزم أعداؤنا. وراح المسؤولون يتصدرون الشاشات بحديثهم عن الانتصار. فقد استعادت الحكومة الغوطة الشرقية ودرعا مهد الأزمة السورية وكذلك ريف حمص وأجزاء من دير الزور التي ذاقت ويلات حصار داعش.

تعزز الخطاب بشكل أكبر مع زيارة الرئيس السوداني إلى دمشق. ومن بعده إعلان افتتاح السفارة الإماراتية في العاصمة السورية. ووصل إلى ذروته مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار انسحابه من سوريا والذي توسط الحدثين السابقين واعتبر انتصاراً من ضمن سلسلة انتصارات الحكومة رغم ما ترتب على هذا الانسحاب من خلط للأوراق وقلب لمشروع التسوية في سوريا رأساً على عقب ودعماً للتمدد التركي.

هذا الخطاب الذي لم تحسب توابعه من قبل السلطة ووسائل الإعلام الذي تبنته خلّف عند السوريين ردة فعل طبيعية ومنطقية فالمواطن الذي صمد على ظروفه الصعبة طوال السنوات الماضية لم يكن ينتظر سوى كملة “انتصرنا” حتى ينطلق مطالباً بتحسين ظروفه المعيشية. وتعويضه عن سنوات الذل والمهانة التي عاشها. وهذا المواطن المحتج ليس عميلاً للخارج كما يقول رئيس مجلس الشعب وهو لايجد إلا وسائل التواصل الاجتماعي حتى تعبر عن صوته في وقت تغيبه قناة الإخبارية عن شاشتها وتهاجم مواقع التواصل مثلاً كما فعلت في برنامجها نقطة ساخنة يوم أمس.

مقالات ذات صلة
اقرأ أيضاً “الصباغ” يؤازر زميله “خميس”: الأزمات تدار من الخارج.. “من يؤازر الشعب”؟!

لسنا في وارد الحديث عن الانتصار إذا كان حقيقة أو كان وهمي. فانتصار هذه البلاد هو انتصار لكل السوريين وهو ما نطمح له. لكن الوهم هو ما نرفضه. فإذا عدنا إلى لحظة إطلاق خطاب الانتصار مع استعادة الغوطة ودرعا وريف حمص نذكر أن هذه المناطق تضم قرابة 2 مليون نسمة يضاف إليهم اللاجئون العائدون وهؤلاء جميعهم لم تكن الحكومة تقدم لهم الخدمات خلال السنوات الماضية أي أن الحكومة زاد على مسؤولياتها في ظرف شهرين قرابة 2 مليون نسمة ولم يكن هناك من يفكر كيف يستطيع تقديم الخدمات لهم أو الاستثمار بالموجود. علماً أن هذه المناطق كان يدخلها سابقاً مئات ملايين الدولار من الخارج عن طريق منظمات المجتمع المدني التي توقفت جميعها عن العمل.

المواطن الذي تسمر أمام وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية يتابع خطاب الانتصار على الشاشات وعلى لسان المسؤولين كان ينتظر ترجمته على أرض الواقع كخدمات. لكنه فوجئ بأزمات متلاحقة “مازوت. بينزين. حليب أطفال. غاز. غلاء أسعار…إلخ” وعجز حكومي يتماهى مع خطاب تكذيبي إنكاري لوجود أزمة من الأساس أطلقته وزارة النفط على لسان مسؤوليها قبل أشهر ومن ثم عادت لتعترف بوجود الأزمة. لكن بلا حلول.

إذا المواطن الذي كان ينتظر نتائج الانتصار الحقيقي. حصد الخيبة والانتصار الوهمي. والانتظار في طوابير على الغاز. طوابير أكبر من تلك التي كان ينتظر عليها قبل (الانتصار). حصد جوع أطفاله الذين لم يستطع أن يؤمن لهم الحليب الذي انقطع من الصيدليات وتوفر في السوق السوداء حاله حال باقي المشتقات.

ورغم ذلك… الخطاب استمر فأمس تحديداً طالعتنا صحيفة محلية بمقال طويل عريض مفاده أننا بانتظار اعتراف المهزومين بهزيمتهم. فقد هزموا والتعن أبو يلي خلفهم! لكن المواطن ليس مهتماً بهذا الانتظار وإنما ينتظر الغاز والمازوت والكهرباء والخبز وحليب الأطفال … إلخ.

اقرأ أيضاً لماذا فرع جرائم المعلومات وليس جرائم المسؤولين؟

ولأنهم ينظرون للمواطنين على أنهم قطيع حاولوا تقديم خطاب جديدة مفاده أن هناك من يشوش على الانتصار بالحديث عن هذه الأزمات لكن هذا الخطاب فشل أيضاً. وظهر خطاب جديد مفاده أننا لم ننتصر بعد وأن المعركة مستمرة وهذه هي الحقيقة. فالصراع على أشده ومستقبل البلاد على محك الوهم الذي تبيعه السلطة للمواطنين وربما لنفسها أيضاً. وعلى محك المواجهة الدولية المحتدمة سواء بين الدول الفاعلة في الملف أو على صعيد تشديد العقوبات وتعثر العملية السياسية التي يتحمل مسؤولية تعثرها الداخل والخارج على السواء.

تخطئ السلطة عندما تظن أن بإمكانها إعادة توجيه المواطنين كالقطعان وفق نظرياتها الإعلامية والسلطوية البالية. هذا الشعب يحتاج خطاباً صادقاً واقعياً. يحتاج حلولاً للأزمات والتماساً لهذه الحلول على الأرض من قبل المواطن. يحتاج صدقاً لا وهماً عملاً لا تنظيراً حلولاً لا إنكاراً. ويحتاج التوقف عن لعب لعبة الوقت في مختلف الأزمات وعدم الاستهتار بالواقع والتعالي عنه من قبل السلطة.

الواقع مختلف عن الخطاب الذي تطالعنا به وسائل الإعلام. الواقع يمكن رؤيته بالعين المجردة بالنظر إلى الشمال. وإلى الشرق السوري. بالنظر إلى حجم الدمار وتكلفة إعادة الإعمار بالنظر إلى القوى الأجنبية على الأرض. والعقوبات. والانقسامات. بالنظر إلى أشياء كثيرة ربما أهمها واقع العملية السياسية الميتة والتي لا بداية لحل من دون إنعاشها وإنجاحها. ولا أفضل من ذلك بأيادي وإرادة سورية. والتوقف عن المغامرة بالوقت والوهم والتحولات القطيعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى