أخر الأخبارالرئيسيةتقارير

سوريا وتاريخ من استقبال اللاجئين .. أبواب لا تعرف الإغلاق

من الأرمن إلى اللبنانيين .. كيف استقبلت سوريا من لاذوا بأرضها؟

لم يكن غريباً أن تفتح “سوريا” حدودها لاستقبال المواطنين اللبنانيين الذين هجّرهم العدوان الإسرائيلي على “لبنان” من مدنهم وقراهم.

سناك سوري _ دمشق

ومنذ بداية التصعيد الإسرائيلي الواسع على المناطق اللبنانية بدءاً من الجنوب مروراً بـ”البقاع” ووصولاً إلى “بيروت”. اتخذت الحكومة السورية إجراءاتها لتسهيل حركة الدخول من المعابر الحدودية سواءً للمواطنين اللبنانيين أو للعائدين السوريين من “لبنان”.

بينما لم تخفَ حالة التعاطف الشعبي الواسع في الشارع السوري مع الوافدين اللبنانيين. حيث أبدى مواطنون سوريون استعدادهم لفتح منازلهم واستقبال اللبنانيين لتأكيد التضامن والدعم بين الشعبين في مواجهة العدوان. علماً أن اللاجئين السوريين في “لبنان” لم يكونوا بمنأىً عن استهداف العدوان الإسرائيلي وسقط العشرات منهم ضحايا للعدوان المستمر.

المشهد الحالي لا يخرج عن السياق التاريخي لـ”سوريا” التي اعتادت أن تكون ملاذاً للاجئين إليها بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم.

لبنانيون وسوريون يغادرون نحو الأراضي السورية _ انترنت

استقبال اللبنانيين في حرب تموز 2006

فبالعودة إلى العام 2006 ومع اندلاع حرب تموز كانت “سوريا” وجهة رئيسية للبنانيين الذين غادروا منازلهم على وقع القصف الإسرائيلي الذي اعتاد استهداف المدنيين والأبنية السكنية.

بينما كان الاستقبال في “سوريا” حافلاً في ظل حالة من التضامن ومعايشة لحظات الحرب وتفاصيلها في كل بيت سوري كانت فيه الأنظار تتابع لحظة بلحظة ما يجري على خطوط القتال ضد الاحتلال.

في ذلك الحين دخل أكثر من 200 ألف لبناني إلى “سوريا” التي استنفرت إداراتها وأجهزتها الرسمية ووضعتها في خدمة النازحين وفتحت لهم مراكز استقبال ورعاية. وأصرّت الحكومة السورية حينها على مواصلة العمل والتسهيلات على معبر “جديدة يابوس- المصنع” رغم التهديدات الإسرائيلية بقصف النقطة الحدودية لإعاقة وصول النازحين.

ورغم أن حرب تموز انتهت خلال 33 يوماً إلا أن لبنانيين كثر احتفظوا بذكرى لجوئهم إلى “سوريا” خلال تلك الأيام العصيبة. ورووا حكايات استقبالهم والترحيب بهم دون أي شعور بأنهم خرجوا من بلدهم إلى بلدٍ آخر.

محل فلافل في حلب يقدّم الطعام مجاناً للبنانيين خلال حرب تموز 2006 _ انترنت

سوريا تستقبل العراقيين 2003

أسفر الاحتلال الأمريكي لـ”العراق” عام 2003 عن تهجير مئات آلاف العراقيين من بلادهم على وقع القصف والاعتقالات والتفجيرات التي لا تنتهي. وكانت “سوريا” على موعد مع استقبال جيرانها العراقيين وفتح الأبواب أمامهم ليكونوا في مأمنٍ من ويلات الحرب والاحتلال.

وبحسب تقديرات “الأمم المتحدة” فقد وصل عدد اللاجئين العراقيين في “سوريا” إلى نحو مليون ونصف المليون شخص بحلول العام 2009 حيث تواصلت موجات اللجوء حتى بعد أعوام على الاجتياح الأمريكي. لا سيما بعد اندلاع الفتنة الطائفية في “العراق” عام 2006.

وعلى الرغم من أن “الأمم المتحدة” أشارت في تقريرها آنذاك أن 153 عراقي فقط مسجلين رسمياً. من أصل مليون ونصف متواجدين في “سوريا”، فقد كانت الحالة الشعبية والرسمية مرحّبة بالعراقيين وتحاول تقديم ما أمكن لهم من تسهيلات وإجراءات تساعدهم على تجاوز محنة الخروج من بلادهم.

اللاجئون العراقيون في سوريا _ انترنت

الفلسطينيون السوريون

منذ نكبة 1948 بقيت “فلسطين” قضية حاضرة في الوجدان الجمعي السوري. منذ مشاركة السوريين في “جيش الإنقاذ” مروراً بتقاسم نكسة 1967 واحتلال “الجولان” وصولاً إلى اليوم.

واستقبلت “سوريا” القادمين من الأراضي الفلسطينية مع قيام كيان الاحتلال قبل 76 عاماً في أولى موجات اللجوء الفلسطيني. تلتها موجة أخرى واسعة إبان نكسة حزيران 1967. فضلاً عن استقبال اللاجئين الفلسطينيين القادمين من “الأردن” مطلع السبعينيات ومن “لبنان” إثر اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لـ”بيروت” عام 1982.

ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في “سوريا” عام 2010 قرابة 500 ألف نسمة. وهو رقم قريب من إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” التي قدّرت العدد مطلع 2011 بـ 528 ألف فلسطيني.

الفلسطينيون في “سوريا” وعلى الرغم من تواجدهم الأساسي في مخيمات مثل “اليرموك” في “دمشق” و”النيرب” في “حلب” و”العائدون” في “حمص” وغيرها. إلا أن نسبة منهم كذلك عاشت في أحياء المدن السورية وأصبحت جزءاً من النسيج الاجتماعي السوري.

وفي العام 1956 صدر القانون رقم 260 الذي نصّ على معاملة الفلسطينيين معاملة السوريين أصلاً في جميع القوانين المتعلقة بحقوق التعليم والتوظيف والعمل والتجارة والتملّك وحتى خدمة العلم -يؤدي الفلسطينيون خدمة العلم في جيش التحرير الفلسطيني- مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية.

كما منحت السلطات السورية الفلسطينيين وثائق سفر صادرة عن وزارة الداخلية السورية. وتخوّل حامليها العودة إلى “سوريا” دون تأشيرة عودة.

وعلى الرغم من أن “سوريا” ترفض “توطين” الفلسطينيين بما ينزع عنهم حق العودة إلى أرضهم المحتلة. فإنها عاملت الفلسطيني كما تعامل مواطنيها دون أي نوع من التمييز أو التقييد في الحقوق.

في حين أدى اندلاع الأزمة السورية عام 2011 إلى تقاسم السوريين والفلسطينيين تغريبة جديدة وجدوا أنفسهم خلالها إما نازحين داخل “سوريا” أو لاجئين خارجها هرباً من ويلات الحرب. بينما تغيب الإحصائيات الرسمية الدقيقة عن عدد الفلسطينيين الذين غادروا “سوريا” خلال هذه السنوات وعدد المتبقين منهم داخل البلاد.

مدخل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين _ انترنت

أرمن سوريا

تعرّض الأرمن منذ أواخر القرن التاسع عشر لمجازر وإبادة جماعية على يد السلطنة العثمانية لكنها وصلت إلى ذروتها عام 1915 حين تحوّلت لحملة تطهير عرقي للقضاء على الوجود الأرمني في “تركيا”.

كانت “سوريا” أول ملاذ يلتجئ له الأرمن هرباً من بطش العثمانيين. فدخلها الأرمن بحثاً عن الأمان فوجدوا ضالّتهم في مدنها وأحيائها وأصبحوا مع تعاقب السنين جزءاً من المجتمع السوري ويتمتعون بكامل حقوق المواطنة كسوريين.

وتعدّ “حلب” المدينة السورية التي استقبلت الجزء الأكبر من اللاجئين الأرمن الذين شكّلوا جزءاً من هوية مجتمع المدينة المتنوع. إلى جانب الوجود الأرمني في “دمشق” ومناطق الجزيرة السورية ذات التنوع الإثني والعرقي المتنوع والتي كانت كذلك أرضاً مرحّبة بالحضور الأرمني.

ولا توجد أرقام دقيقة لأعداد “أرمن سوريا” قبل عام 2011 إلا أن بعض التقديرات تشير إلى أنهم كانوا قرابة من 100 ألف نسمة معظمهم في “حلب”. بينما تغيب الإحصاءات أيضاً عن أعداد الذين خرجوا من “سوريا” خلال سنوات الحرب.

إحياء ذكرى الإبادة الأرمنية في حلب عام 2021 _ انترنت

أبواب سوريا المفتوحة

لم تغلق “سوريا” تاريخياً أبوابها في وجه أحد. بل كانت محطة الأمان والترحيب لكل من قصدها بما في ذلك الكويتيون الهاربون من الاجتياح العراقي عام 1990 إلى جانب اللاجئين الصوماليين والسودانيين وغيرهم ممن هربوا من النزاعات في بلدانهم فاحتضنتهم “سوريا” ورحّب بهم أهلها الذين لم يعرفوا يوماً ثقافة إغلاق أبوابهم في وجه من يطرقها.

13 عاماً من الحرب والنزوح الداخلي واللجوء الخارجي. ورغم كل ما تعرّض له السوريون من معاناة وسوء معاملة في العديد من المواقف والدول. إلا أن مشهد الاستقبال الحالي للهاربين من الحرب على “لبنان” أعاد إلى الأذهان صورة السوريين كما كانت قبل الحرب مرحّبين دائمين بمن يلوذ بهم. وبقوا كما كانوا رغم تبدّل كل شيء.

زر الذهاب إلى الأعلى