سوريا: كيف تحوّلت رسالة المازوت من فرح عامر إلى عجز وخيبة؟
حكومة الواقع منحتنا 50 ليتر مازوت بسعر 250 ألف ببلد متوسط رواتبه 286 ألف ليرة.. واقع ولا مو واقع؟
كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهراً، لم يتبقّ لدخول غرفة طبيب الأسنان سوى بضع دقائق، حين باغتتنا رسالة المازوت أم 50 ليتراً الخاصة بالتدفئة في سوريا. لأتوقف عن التفكير بوجع الأسنان الذي ينتظرني تحت جهاز “الوز”. وأفعّل زر الوجع الخاص بآلام الجيبة والبحث عن جواب لسؤال: من أين نأتي بالـ250 ألف ليرة ثمن المازوت؟
سناك سوري-رحاب تامر
خضنا أنا وزوجي نقاشاً مختصراً بحكم الوقت القليل الذي تبقى لنا قبل دخول غرفة “الوز” كما أحب أن أسميها. وبجانبنا طفلتنا التي اضطرت لوضع جهاز تقويم وكانت معنا لأخذ المقاسات ودفع “المعلوم” الذي وصل إلى مليون ونصف المليون ليرة اتفقنا مع الطبيب على تقسيطه.
لا نعتمد أنا وزوجي على رواتب الحكومة التي لا تكفي أصحابها ثمن جزء من سن مكسور. بل نعمل عدة أعمال أخرى فوق وظائفنا ما يقينا شرّ الجوع. لكن الحال تبدل ولم تعد تلك الوظائف تقينا شرّ البرد بعد قرار الحكومة رفع سعر ليتر مازوت التدفئة إلى 5000 ليرة. أي أن ثمن مخصصاتنا أم 50 ليتر باتت 250 ألف ليرة، وبالمناسبة من الضروري التذكير بأن متوسط الرواتب الحكومية 286 ألف ليرة.
بعد حديث مختصر وسريع اتفقنا أن نخفض المبلغ الذي كنا سنمنحه للطبيب من ثمن جهاز التقويم الخاص بطفلتي. من 700 إلى 500 ألف، على أن نتبعه بدفعتين لاحقاً قيمة كل واحدة 500 ألف رغم أن شرط الطبيب كان دفعة أولى نصف المبلغ ثم تقسيط النصف الثاني على دفعتين.
أخبرنا الطبيب بهمنا، فوافق فوراً ولم يبدِ أي اعتراض متجاوباً مع الظرف المباغت. ولو كانت الرسالة وصلت بعد خروجنا من العيادة لكان الهم أكبر لكن السماء رحيمة بخلاف الحكومة.
عدنا نجرّ أزيال الفرح والخيبة، وبانتظارنا كان الجيران الذين وصلتهم رسالة المازوت طابع سوريا المميز في مثل هذا الوقت. لم يكن حظهم جيداً بما يكفي ليحصلوا على 50 ليتراً بسعر 250 ألف ليرة تكفيهم 5 أيام من الدفا أو 10 أيام بالحد الأعلى.
لنعد قليلاً إلى حكومة بلادنا، التي أطلقت على نفسها لقب “حكومة الواقع“. هل يقول الواقع أن ترفعوا سعر مازوت التدفئة ضعفين ونصف قبل أن تعلنوا عن البدل النقدي؟ نحن الذين أنهكنا الجوع هل علينا أن نموت برداً أيضاً؟