عندهم مايك فغالي و عندنا رانيا الجنيّة

المجاعة والتثاؤب وبيف باف ورأس السنة
سناك سوري – جار رانيا الجنيّة
أربعة أمور تذكرني اليوم بجارتي القديمة “رانيا الجنية” وبزوجها اللطيف والرائق على الدوام المدعو “أبو مليار”، (أطلق عليه هذا الاسم في سنوات المجاعة التي حلت به قبل عشرين عاماً، أي أنه يمتلك مليار سبب ليجوع وليبقى عاطلاً عن العمل، لا كما اعتقدت زوجته حين قبلت بالزواج منه أنه يمتلك مليار ليرة).
كان حين يتثاءب يتعرى فمه كاملاً أمامك، إنه الوحيد في هذا العالم الذي يستطيع الجميع فيه معرفة عدد أسنانه السليمة والنخرة لمجرد حركة تثاؤب صغيرة، إنه يمتلك فماً كبيراً له قدرة على ابتلاع دجاجة بريشها، كما له لهاة حلق كبيرة، ولا أكذب إن قلت أنها أكبر من أنفه.
لم يكن ليعجب زوجته ضحك الجميع عليه حين يفعل ذلك، لهذا كانت حين تقول له (أغلق فمك حين تتثاءب و إلا ضحك عليك الشيطان)، يجيبها برواق تام وبجوابه المكرر (بضحك على مية من شكلو).
خلال مدة تواجدهما في حيّنا أنجبت رانيا ولدان، في المولود الأول توحّمت على …. على ماذا برأيك؟ على الليمون؟ اللوز؟ الفستق الحلبي؟ الفريز؟ أم الآيس كريم؟ كما تفعل أي امرأة عادية في هذا العالم، لا لم تفعل ذلك، توحمت على صابون الغار، أنا لا أمزح، وفي المرة الثانية توحمت على رائحة مبيد الحشرات ذو الماركة الشهيرة المعروفة باسم “بيف باف”، “بيف باف” حصراً، وحين جلب لها زوجها علبة مبيد حشري لشركة أخرى كزّت على أسنانها ثم أحالت المنزل إلى خرابة فوق رأسه، وحين حاول مقاومتها هرست يده بأسنانها.
يقول المتنورون المتأخرون أن المرأة (نصف الرجل)، ومنذ الألفية الجديدة لا أعلم لما لا يقول أحد منكم كلمة حق للنسوة هنا في الجنوب أنها تقاتل لتؤكد في كل المنصات وبدون علم لتكون (نصف رجل)، في حين تكز نسوة الحواكير في الريف (كما رانيا) على أسنانها في نيل حريتها لأنها تعلم أن القوة الإجمالية للعضلات الماضغة على جانب واحد من الفك قد تساوي 195 كيلوغراماً، لهذا السبب تعده النساء القرويات هنا السلاح الأول والوحيد في الهجوم على ضحاياها لانتزاع حقوقها أكثر من الدبلوماسية النسوية المتبعة في المدينة.
اقرأ أيضاً: فئة الـ 5000 ليرة ستصدر لكن لاتقلقوا… ماذا توقع مايك فغالي أيضاً؟
أما الذكور من أعجزتهم الحرب ولم يعد لهم قدرة على القتال فباتوا يؤمنون بعلاج وحيد و بحقيقة واحدة ومطلقة، وهي أنه بالإمكان أن يفقد الرجل 150 سعرة حرارية في الساعة إذا ضرب رأسه بالحائط، لكن مع كل ويلات “أبو مليار” استبدل تلك القاعدة وعاد لأسلوبه القديم وبدل ذلك قام بإفراغ سعراته الحرارية بضرب رأسه بحائط جبين “رانيا” النافر فأغمي عليها، وفي المشفى نذر فوق رأسها أنه سيشتري لها عشر علب بيف باف و سيسمح لها بقراءة الفنجان لنسوة الحي إن خرجت سالمة من هذا العارض.
قراءة الفنجان هي موهبة أخرى تضاف إلى مواهب “رانيا”، بعد تلك الحادثة أذنت الظروف لعودة “رانيا” لكسب المال، زوج راضي ومطواع ونسوة جائعات لمعرفة مستقبلهن ومستقبل أزواجهن، و الأهم صديقة ذكية ومرحة مثل “افتكار” تخبرها بأسرار كل النسوة في الحي، فماذا ترغب مشعوذة أكثر من ذلك لنيل الشهرة وكسب المال. بالفعل هذا ما حدث حتى بات يطلق عليها لخبرتها في قراءة الطالع باسم (رانيا الجنية).
اليوم مع اقتراب رأس السنة كما كل عام يكثر المشتغلين بمهنة “رانيا” من المشعوذين، إنهم أكثر من الباحثين عن الفطر في الريف، هم أيضاً ماذا يرغبون أكثر من ذلك، سلطات مطواعة تمنحهم التراخيص وشعوب متعبة، جائعة، عاطلة و مغلوب على حالها ملّها النطح والعنف والفوضى، وأصدقاء أذكياء كثر في أجهزة القرار الخفية سخية في تسريب ما تريد إيصاله لشعوبها من معلومات.
اقرأ أيضاً: في رأس السنة لنا العرافين ولهم علي الديك