قسمت إيطاليا الاتحاد الأوروبي ولاءاته “الثلاث” تجاه سوريا وأعلنت عودة سفيرها إلى دمشق بعد غياب دام 12 عاماً ليكون بذلك أول سفير من مجموعة السبع في سوريا.
سناك سوري – دمشق
القرار الإيطالي يخالف تماماً توجهات الاتحاد الأوروبي التي عبر عنها المتحدث باسمه “لويس ميغيل”، وكذلك سفيره في دمشق “دان ستونيسكو”. واللذان كانا قد أعلنا في مؤتمر بروكسل السابع لدعم مستقبل سوريا نهاية أيار الماضي عن تصلب شديد في الموقف الأوروبي تجاه السلطات السورية.
وكرر”ميغيل” في مداخلاته وفي إحاطاته الصحفية الاءات الثلاث التي لطالما أعلنها الاتحاد الأوروبي. وهي لا تطبيع للعلاقة مع دمشق لا إعادة إعمار لا رفع للعقوبات دون عملية سياسية حقيقية وفق القرار الأممي “2254”.
وبذلك تكون “إيطاليا” قد رفضت أول اللاءات “تطبيع العلاقات مع دمشق” وشرعت قدماً بها وهي بذلك تكون أهم دولة أوروبية تعيد التواصل مع السلطات السورية.
روما تخالف الاتحاد الأوروبي وتنسجم مع سياستها
قرار “روما” إحياء العلاقات مع دمشق وإن كان يخالف توجهات الاتحاد الأوروبي “ككتلة متحدة” لكنه يتماشي مع موقف الحكومة الإيطالية. حيث أن إيطاليا طوال سنوات الصراع حافظت على قنوات تواصل شبه علنية مع دمشق خصوصاً في المجال الأمني. ومع وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في 2022 لم تدخر السياسة الإيطالية فرصة في إعلان رغبتها بالتواصل مع دمشق.
دبلوماسي إيطالي في بروكسل كان قد صرح لـ سناك سوري على هامش مؤتمر بروكسل 2023 أن إيطاليا لا تنسجم مع سياسة القطيعة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي تجاه دمشق.
انقسام أوروبي تجاه دمشق.. سوريا تقسم الاتحاد الأوروبي
الموقف الأوروبي منقسم تماماً تجاه دمشق، حيث تشكل القضية السورية حالياً أكثر القضايا الخلافية داخل أروقة الاتحاد الأوروبي. وخروج “إيطاليا” من دائرة اللاءات الثلاث يعكس أكبر انقسام عرفه الاتحاد الأوروبي تجاه قضية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
و”إيطاليا” ليست الوحيدة التي تريد تغيير السياسة الأوروبية القائمة حالياً على المواجهة القصوى مع “دمشق”. فهناك 7 دول أوروبية أخرى أعربت عن رفضها لسياسة الاتحاد الأوروبي الحالية منذ مؤتمر بروكسل الذي عقد في 30 أيار الماضي.
موقف هذه الدول تصاعد تدريجياً إلى أن تحول إلى ورقة مشتركة رسمية قدمتها 8 دول قبل أيام إلى مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي. وهذه الدول هي “قبرص” التي تقيم علاقات مع “دمشق” وكذلك “التشيك”. بالإضافة لكل من اليونان، سلوفاكيا، سلوفينيا وهي من أواخر الدول الأوروبية التي زارها الرئيس السوري قبل 2011. إلى جانب “كرواتيا” و”إيطاليا”.
أما المفاجأة بين هذه الدول فهي “النمسا” التي تعد إحدى الوجهات الرئيسية للاجئين السوريين وكثيراً ماكانت منسجمة مع الموقف الألماني تجاه القضية السورية.
موقف النمسا تطور بشكل كبير مؤخراً حتى أن وزير خارجيتها “ألكسندر شالينبرج” طالب الاثنين الماضي على هامش اجتماع وزراء خارجية الاتحاد. بسياسة واقعية في سوريا والتواصل مع الرئيس السوري “بشار الأسد”.
رسالة حول سوريا من 8 دول لمنسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي
الدول الثمانية المشار لها أعلاه كانت قدمت رسالة إلى منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل” تطالب بإعادة التواصل مع “دمشق”.
الرسالة التي وقعها وزراء خارجية الدول الثماني طالبت بالتواصل مع سفير سوريا في الاتحاد الأوروبي وتعيين مبعوث أوروبي لدمشق من مهامه التواصل مع دول المنطقة حول الملف السوري.
فرط الامتثال للعقوبات يخنق السوريين
الرسالة التي نشرت فايننشال تايمز أجزاء منها تضمنت اقتراحاً واضحاً بمناقشة تأثير العقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي على دمشق.
ولفتت إلى مخاطر مايعرف بفرط الامتثال في النظام المصرفي الناتج عن العقوبات على الواقع المعيشي للسوريين.
حيث يعد “فرط الامتثال” أشد خطراً من العقوبات نفسها فهو يؤدي إلى تكبيل النظام المصرفي الدولي ورفض البنوك التعامل مع سوريا. أو التعامل في أي حركة مالية أو مشروع يذكر فيه اسم سوريا حتى ولو كان شراء أدوية.
ماذا يمكن لإيطاليا أن تقدم لسوريا؟
ينظر كثير من المقربين للسلطات السورية بعين إيجابية كبيرة لهذه الخطوة وحتى أن البعض يرى فيها انتصاراً كبيراً لدمشق. بينما يرى البعض أنها مفتاح مهم لإعادة الإعمار والانفراج الاقتصادي في البلاد.
لكن من الوجهة المقابلة فإن إيطاليا تعبت من موجات اللجوء التي تعد سوريا أبرزها. ومنذ وصول اليمين المتطرف إلى السلطة عام 2022 وهو يحاول وقف تدفق المهاجرين.
على الصعيد الاقتصادي فإن إيطاليا تعاني أزمات اقتصادية مستمرة منذ سنوات طويلة وهي تعد من أقل المانحين الأوروبيين الكبار.
وتقدر تكلفة إعادة إعمار سوريا بأكثر من 400 مليار دولار ويتطلع أن يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً جوهريا في مرحلة إعادة الإعمار. بينما يقول الروس إن تكلفة إعادة الإعمار تصل إلى 800 مليار دولار .
محدودية المساهمة الاقتصادية لإيطاليا لا تعني محدودية الدور السياسي فـ إيطاليا دولة محورية بالاتحاد الأوروبي وهي جزء من مجموعة السبع. ويمكنها أن تلعب دوراً إيجابياً على صعيد تخفيف العقوبات على دمشق وآثارها وكذلك في تقريب وجهات النظر بين دمشق والغرب. لكن هناك سؤال جوهري ويطرح دائماً إلى أي حد دمشق مهتمة بهذا التقارب وماهي شروطه؟.
التفاؤل الحذر…. الأزمة السورية داخلية أيضاً
لا يختلف إثنان على أن الخارج لعب دوراً محورياً بالأزمة السورية هناك من يراه إيجابياً وهناك من يراه سلبياً حسب موقفه من الصراع. لكن بالعموم للخارج دور كبير في مفاقمة الصراع في سوريا لكن بالمحصلة هناك مشكلة داخلية وجذور داخلية أوصلت سوريا إلى ماهي عليه.
وسبق لدمشق أن أحيت علاقتها مع عدة دول خارجية ربما تكون السعودية أبرزها فهي من أكبر الاقتصادات بالمنطقة والأكثر قدرة على المساهمة في إعادة الإعمار. وعلى الرغم من مضي أكثر من عام على عودة وتطور العلاقات السورية السعودية إلا أن الواقع السوري لم يشهد أي تغيير يذكر. وكذلك الحال بعد عودة العلاقات بين دمشق وأبو ظبي والذي مضى عليه قرابة 6 سنوات.
ما يجعل التفاؤل بعودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والعالم حذراً جداً ومحدوداً. ويحتاج بالتوازي معه وربما قبله مساراً واضحاً لإنهاء الأزمة في البلاد وإعادة توحيدها والخروج من واقع مضى عليه 13 عاماً وفيه ملفات معقدة.
ومن أبرز الملفات المعلقة في سوريا، الحل السياسي، اللجنة الدستورية، ملف المعتقلين والمخطوفين، العدالة وجبر الضرر، الحياة السياسية، الحقوق والحريات، وقبل كل شي الحوار الوطني وشكله وهويته..إلخ.
من هو سفير إيطاليا الجديد في دمشق؟
قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني أن بلاده اختارت المبعوث الإيطالي الخاص لسوريا “ستيفانو رافاجنان” سفيراً في دمشق. مشيرا إلى أنه سيتولى منصبه قريباً.
“رافاجان” سياسي إيطالي كان سفيراً سابقاً لـ بلاده في كازاخستان وعمل أيضاً في سفارتي إيطاليا بـ روسيا و المغرب. قبل أن يعين مبعوثاً لسوريا.