سوريا تعانق الحرية .. وتبوح بأسرار نصف قرن من الصمت
اليوم لا صكوك وطنية بيد أحد فقد انتهى زمن بالروح بالدم
مهما كنتَ محلّلاً فذّاً وقارئاً عبقرياً للأحداث فإن التاريخ يعلّمك أنه يحمل دائماً مفاجآت لن تتوقّعها إذ يحدث أن يسقط نظام طغى 50 عاماً وانهار في أيام.
سناك سوري _ محمد العمر
اليوم سنكتب أسماءنا بجرأة على كلماتٍ سنقولها بحريّة للمرة الأولى منذ عقود، وسنقول بأننا صمتنا طويلاً وكبتنا حقيقة مشاعرنا سنيناً طويلة وارتجفت قلوبنا عند عبور حاجز أو رؤية دورية شرطة أو رجل أمن.
سنروي حكاياتنا كاملةً دون خوف أو مواربة، سننفجر فرحاً وغضباً للمرة الأولى بعد غفلةٍ من زمن الصمت، وسنتذكر كل من رحلوا في حرب عبثية كانت الدماء فيها تسيل بلا هدفٍ سوى إطالة عمر زمن الطغيان.
منذ أن صرخت الحناجر في 2011 لتطالب بالحرية والكرامة، أجاد بشار الأسد تفويت الفرص لحقن الدماء، فاختار الحلول الأمنية والعنفية واستهان بمطالب السوريين وآلامهم، وحوّل فرصة التغيير إلى إدخال البلاد بنفق مظلم مليء بالوحشية.
حتى أن أسلوب النظام في محاولة إظهار سعيه للتغيير كانت بائسة. فحين وضع دستور 2012 جعل التصويت عليه يشبه استفتاءات الـ99% دون نقاش حرفٍ منه، فضلاً عن أنه لم يحترمه ولم يطبّق حرفاً منه. وراح يستعمل كلمة “حوار” كأنها شيء خيالي غير ملموس وامتطى جولات الحوار والتفاوض لـ”إغراق الآخرين بالتفاصيل” على رأي وزيره السابق وليد المعلم.
13 عاماً من الدماء لم تشبع الغريزة الإجرامية للنظام ورئيسه الذي تشبّث بالعنف حتى اللحظة الأخيرة، ولم يكلّف نفسه عناء إصدار بيان للتنحّي أو تدبير نقل للسلطة بشكل منظم يحمي مؤسسات الدولة وممتلكات الشعب.
الأبصار التي شخصت إلى المشاهد الواردة من سجن “صيدنايا” والتي لم يكن لأحد أن يتخيّل وجود وحشية بشرية تشببها. ستتعرّف على جانب صغير من تاريخ واسع لدموية وإجرام النظام الذي احترف على مدى 61 عاماً فنون تعذيب السوريين.
اليوم سنبوح بكل شيء فقد علّمتنا تجربة العقود الماضية بقسوة ألّا نكرّرها، ألّا نتملّق لعهد جديد أو لحزب أو لشخص، وأن نقول موقفنا بعلانية دون خوف، فإذا كانت الحرية أولى شعارات الثورة وأعظم مكتسباتها فيجب الدفاع عنها بكل قوة كي لا نخسر ما حرمنا منه سنين طويلة.
اليوم لا يحق لأحد توزيع صكوك غفران أو ثورية أو وطنية، ولا يحق لأحد مطالبة الآخرين بتقديم كشف حسابٍ عن تاريخهم ضد النظام السابق، ولا أن يتخذ أحد خطوة وقائية بنظم مدائح للثورة، فقد انتهى زمن المدائح والتزلّف و”بالروح بالدم” و”منحبك” وبدأ تاريخ “سوريا” الجديد أو ربما عادت “سوريا” إلى أصولها وجذورها الأولى حرةً كما عهدها التاريخ.