الرئيسيةرأي وتحليل

سوريا التاريخية… ثقافة الست والسيدة في مواجهة مفهوم الحرمة 

الست والسيدة مفردات من ثقافة السوريين والمصريين القدماء ماهي دلالاتها

سناك سوري- حسان يونس

إن الحديث عن المفردات القديمة يقودنا إلى التعرف على “لا وعينا” بشكل ملموس، بحيث نستطيع القبض على هذا “الوعي الكامن” متلبّسا خلف أقنعة كلمات مغرقة في القدم تقول الكثير عن تاريخ يرفض أن يغادرنا مهما تنكرنا له .
وإن هذا الحديث يقودنا إلى إجابة على سؤال “من نحن؟” .
من المفردات المغرقة في القدم الشائعة في مصر كلمة “الست”، فهذه الكلمة من بقايا اللغة المصرية القديمة، وتستخدم للإشارة إلى المرأة ذات المكانة الدينية العالية، أو المكانة الاجتماعية الرفيعة، واللافت في لفظ الكلمة أن لام التعريف لا تلفظ، وان حرف السين مشدد، بحيث تكتب الكلمة وفق لفظها “إسّت”.
ووفقا للمفكّر والروائي المصري يوسف زيدان في كتابه “التقاط الألماس من كلام الناس”، فان “الست” هي ذاتها ايزت ( الإلهة المصرية الشهيرة)، والتي تلفظ ايزيس بعد إضافة اللاحقة اليونانية، أسوة بكلمات أخرى (مثل الإله المصري “حور” الذي يلفظ يونانيا “حورس” والإله “أوزير” الذي يلفظ يونانيا “اوزيريس” والإله السوري “أدوني” الذي يلفظ يونانيا “ادونيس”).

اقرأ أيضاً:سوريا التاريخية.. نساء صانعات سلام -حسان يونس

مقالات ذات صلة

في العصر الحديث استعملت “الست” كوصف مرادف للفنانة أم كلثوم، بحيث أن المصريين خلال عقود مضت اعتادوا الذهاب إلى المقهى للاستماع إلى “الست”، وفي العصور القديمة استعملت الست للإشارة إلى السيدة مريم العذراء فكانت تلقب “بالست مرتا مريم”، آو الست السيدة مريم.
أما في سورية وعلى امتداد الهلال الخصيب لا تستعمل لفظة “الست” للإشارة إلى المرأة ذات المكانة الدينية أو الاجتماعية الرفيعة بل تستعمل كلمة “السيدة” والمعروف أن “السيدة” هو لقب عشتار وهو لقب مريم العذراء وهو لقب خديجة بنت خويلد وكذلك لقب فاطمة الزهراء، وفي مقابل “الست” نقول في بلاد الشام “السيدة فيروز”، ولا تزال كثير من الجبال والمعابد في سورية تحمل اسم جبل السيدة أو كنيسة السيدة أو كنيسة سيدة البحار (كانت مملكة صور تسمى سيدة البحار ولا تزال هناك كنيسة قرب صور تحمل هذا الاسم وفي بلدة الخراب في طرطوس هناك كنيسة كذلك باسم سيدة البحار).
وفي ذات السياق فان لفظة “مرتي” المتداولة في مناطق مختلفة من سورية هي لفظة آرامية تعني سيدتي حيث يكتب في النصوص القديمة “مرتا مريم” أي السيدة مريم .
إن احتفاظ لغة الناس بهذه الجذور ليس عبثياً، فهذه المفردات ومعانيها تعكس ثقافة قديمة متجذّرة في لا وعي المجتمعات المصرية والسورية وهي ثقافة تبجّل الأنثى ذات المكانة الرفيعة، على النقيض من ثقافة “الحرملك” المتداولة في مجتمعات أخرى والتي تلقّب المرأة “بالحرمة”، وهي كلمة مشتقة من الحرام ومن اعتبار المرأة “عورة يجب إخفائها”.

اقرأ أيضاً:الرقص في مخزوننا الثقافي حسان يونس

بعيداً عن التشنج في النظر إلى الآخر، وبمعزل عن أي عنصرية، فإن ثقافة الحرملك سادت في آخر صورها في البلاط العثماني، الذي كان يعجّ بالجواري والحريم المعنيات فقط بمتعة السلطان، وهي ثقافة متناقلة من العصر المملوكي وما سبقه، ورغم أن المماليك والعثمانيين حكموا مصر والشام عدة قرون فإن ثقافة الحرملك لم تتسرب إلى لا وعي غالبية السوريين والمصريين، ولا تزال كلا الثقافتين المصرية والسورية تحتفي بالست والسيدة. وليس من المبالغة أن نقول أن الصراع القائم حالياً بين العثمانيين الجدد والإخوان المسلمين وبين السوريين والمصريين هو صراع بين ثقافة الحرملك وتسليع المرأة وتشييئها، وبين ثقافة تبجيل المرأة ذات المكانة والرفيعة، وهي ثقافة تدفع بالأنثى إلى أن تكون ست وسيدة وليس “حرمة” يجري انتهاك إنسانيتها واختزالها في مجرد عورة يخفيها ويكشفها الذكر الطاغية متى ما شاء.

اقرأ أيضاً:جريمة قتل العقل الحر _ حسان يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى