أخر الأخبارالرئيسيةتقارير

سقط الأسد وترك للسوريين جراح السجون والمقابر الجماعية

سجون بحجم مدن .. ومقابر جماعية حوّلت البشر أرقاماً مجهولة

خطف سجن “صيدنايا” الأضواء سريعاً بعد سقوط النظام وفرار رئيسه مخلّفاً وراءه تركة ثقيلة من مآسي السجون وفظائع المقابر الجماعية.

سناك سوري _ محمد العمر

حيث تابع العالم تلك المشاهد الصادمة لسجن “صيدنايا” الملقّب بـ”المسلخ البشري”. واستمع لروايات من خاضوا تجربة الاعتقال فيه وفنون التعذيب الوحشي التي كان النظام يتّبعها داخله بطرقٍ لا تخطر على بال بشر وتطرح سؤال وجود ذرّة إنسانية في قلوب القائمين على السجن وحفلات التعذيب فيه. ومدى الإجرام الذي يصل إلى وجود أطفال ولدوا داخل المعتقل ولم يعرفوا شيئاً خارج جدرانه.

وبينما كانت عملية اقتحام السجن الشهير وتحرير المعتقلين فيه عشوائية إلى حدّ بعيد وافتقرت لأي نوعٍ من التنظيم. فقد قدّر مدير رابطة معتقلي “صيدنايا” “دياب سرية” عدد المحرّرين منه بقرابة 2000 معتقل/ة. فيما هاجمت عائلات المعتقلين مبنى السجن بحثاً عن وثائق أو سجلات تكشف لهم مصير أبنائهم ما أدى لحالة فوضى طمست ما تبقّى من الأدلة.

فرع فلسطين .. جرائم باسم القضية

في الجهة الجنوبية الشرقية من “دمشق” يقع الفرع “235- مخابرات عسكرية” والذي سيشتهر باسم “فرع فلسطين”.

ولا يعرف بوضوح السبب في أن يحمل مركز اعتقال وتعذيب اسم “فلسطين”. لكنه قد يلخّص رؤية النظام السابق للقضية الفلسطينية بأنها مبرّره الجاهز لارتكاب الجرائم بحق السوريين وحتى الفلسطينيين والعرب والأجانب الذين لم يكونوا بمنأىً عن الاعتقال والتعذيب.

الروايات عن الفرع تكاد لا تحصى، وتجمع على أنه شهد فنوناً من التعذيب والإذلال والوحشية في زنازينه وأقبيته السرية التي كانت تضم “غرف التوابيت” كما كان يسمّيها المعتقلون لأنها تشبه تابوتاً يوضع فيه الموتى.

سجون بحجم مدينة

كشف سقوط النظام وفتح أبواب سجونه وجود معتقلات تحت الأرض توازي حجم مدينة على امتداد البلاد التي كانت تغصّ بالأفرع الأمنية والزنازين والتهم الجاهزة لكل من يقول “لا”. من فرع التحقيق العسكري إلى سرية المداهمة والاقتحام وفرع “الخطيب” وفرع الدوريات وسجن “البالونة” وفرع مكافحة الإرهاب.

وقفة تضامنية مع ضحايا الاعتقال في حلب _ سناك سوري

ولعلّ المتّتبع لروايات المعتقلين عن تجاربهم في السجون السورية سابقاً. سيكتشف أن كل ما شاهده العالم في “صيدنايا” وفرع “فلسطين” وغيرها اليوم كان أقل قسوة من تجربة “سجن تدمر”.

ذلك المعتقل الصحراوي الذي شهد أقسى جرائم التعذيب والإعدام الجماعي والإخفاء القسري والتجويع وانتشار الأمراض القاتلة وغيرها الكثير من المآسي التي استمرت لعقود وانتهت حكايته حين قام تنظيم “داعش” بتفجيره عام 2015 وطمس معه دليلاً على وجود أكثر السجون وحشية على مستوى العالم وليس فقط في “سوريا”.

المقابر الجماعية

لم تكن المقابر الجماعية أمراً مستغرباً خلال سنوات الحرب في “سوريا” إذ انتشرت عاماً بعد آخر وتحوّلت إلى طقسٍ اعتيادي يجعل جثامين البشر أرقاماً مدفونة دون أن يتعرّف أحد إلى هويتها ما خلّف أزمة واسعة في ملف المختفين قسراً الذين لم يعرف مصيرهم حتى بعد سقوط النظام.

وتداولت صفحات وسائل التواصل مقطعاً مصوراً قالت أنه لمقابر جماعية تضم جثامين معتقلين في منطقة خلف “قصر المؤتمرات” بريف “دمشق”. فضلاً عن العثور على مقابر جماعية في حي “التضامن” الذي شهد مجزرة نفذتها قوات النظام وجمعت خلالها جثامين الضحايا في حفرة كبيرة.

وتم العثور أيضاً على مقابر جماعية تضم أكثر من 30 جثماناً في مدينة “إزرع” بريف “درعا”. فضلاً عن مقبرة جماعية أخرى في منطقة “جسر بغداد” بريف “دمشق”.

بصمات دموية للنظام المخلوع

على الرغم من عموم فرحة السوريين في كافة المحافظات بسقوط النظام والخلاص من عقود الظلم والاستبداد. إلا أن غصّة ما تركه من جراح السجون ووحشية المقابر الجماعية نغّصت فرح آلاف العائلات السورية التي حلمت بيوم الخلاص ولقاء أبنائها.

في حين لا يزال آلاف السوريين مجهولي المصير ولا يعرف ذووهم ما إذا كانوا على قيد الحياة أم راحوا ضحية النظام الذي لم يبلغهم حتى بوفاتهم أو مواقع دفنهم. لكن الآمال تراجعت لدى كثير من العائلات بعد فتح أبواب السجون دون ظهور أبنائها، ليبقى مصيرهم غامضاً في ظل انتشار الكثير من الأخبار الكاذبة والشائعات حول ما حلّ بهم.

من جانب آخر دعا ناشطون/ات إلى الكشف عن مصير كافة المفقودين في جميع أنحاء البلاد والإفراج عن المعتقلين في جميع السجون التابعة لمختلف الأطراف. وعدم الاكتفاء بتحرير المعتقلين من سجون النظام وتناسي المعتقلين في سجون الأطراف الأخرى للوصول إلى مرحلة تنتهي بها حقبة الاعتقال السياسي ومعتقلي الرأي في “سوريا” دون رجعة.

سقط النظام فعلاً، لكن بصماته الدموية لم تسقط من ذاكرة السوريين وحياتهم وأعمارهم بعد عقود من الإجرام الذي لن تمحى آثاره بسهولة بعد أن دفع السوريون حياتهم ثمناً للحظة الخلاص من استبداده.

زر الذهاب إلى الأعلى