ستة أطفال في دمشق عند الثامنة والنصف صباحاً
سناك سوري – سلوى زكزك
الساعة هي الثامنة والنصف صباحا إنها تمطر بغزارة في دمشق بينما أستقل الباص الكبير (النقل الداخلي) الذي ينقل الركاب من مشروع دمر إلى جسر الرئيس..
عدد الركاب قليل والباص دافئ ومقاعده نظيفة، يبدو أنه في مكان وزمان ما ثمة احتمال للخروج من سوداوية المشهد العام.
عند موقف “الرز” يصعد ستة أطفال بحماسة وانطلاق، أحلاهم فتاة في عمر السابعة ترتدي “بيجامة زرقاء” مكونة من 3 قطع والقطعة الثالثة والأخيرة هي جاكيت بقبعة دافئة وملونة.
الفتاة الجميلة تواجه مشكلة عويصة فقد صعدت درج الباص قفزا وها هي تجر قدمها اليمين جرا، لا لعاهة خلقية أو إصابة بل لأنها ترتدي “شحاطة” صيفية مفتوحة وقد انفصل وجه الشحاطة عن قاعدتها وباتت تلك الشحاطة اللئيمة غير قادرة أن تقبض على قدم البنية العذبة كشتلة حبق بإحكام.
تحاول مراراً وتكراراً ادخال القطعة السطحية “للشحاطة” في حلق القاعدة لكن عبثا، أحاول مساعدتها فتستجيب، أرواغ مثلها وأكثر لإرغام السطح على الالتحام في القاعدة، لا فائدة، تتطوع امرأة خبيرة وتمنحنا مطاطة عريضة نستعملها بإحكام لتمسك ضفتي الشحاطة فيغمرنا فرح النجاة وتعود الشحاطة المهترئة للفتاة الجميلة إلى فعاليتها المطلوبة.
دون إذن منهم ألتقط لهم بعض الصور التي ستبدو غير ناجحة لأنها التقطت خلسة مع أنه ومن الظاهر أنهم لا يكترثون لا لصورة ولا لسائل أو ناهر أو ساخر.
أسأل الصغيرة، إلى أين أنتم ذاهبون، فتجيب :«نحنا شحادين»، كنت أتوقع ذلك لكني صعقت من بساطة الرد وقطعيته، هنا يبدو سخيفا أن تسأل لماذا أنتم خارج المدرسة، أو أين أهاليكم، أو من يحميكم، أو من يصادر غلتكم… كلها تهويمات تافهة لا معنى لها. موقع سناك سوري.
اقرأ أيضا : ممثلة دنماركية تعيد حفلاً لأنها خيبت آمال الأطفال
صبي سمين يلتهي بأكل الشيبس، مرتدياً كنزة وحيدة وبنطالاً قطنياً رقيقاً وجزمةً بلاستيكية ويجلس وحيداً وبعيداً عنهم، لكنه يبدو ضروريا للحراسة، وتثبيت ضرورة وجود ظلٍ لرجل.
وأخرى نحيلة وطويلة وضعت ثلاث نقط حمراء من طلاء الأظافر الأحمر تحت عينها اليسرى فقالت لي إنها تتعمد ذلك ليبدو كآثار الخرمشة.
الأطفال الستة تقودهم صبية في حوالي الخامسة عشرة من العمر،وهي في كامل هندامها مع كحل فوق العينين وعقد واسوارة من البلاستيك الأسود، دورها هو المحاسب أو الصندوق أو الكاشيير، معها جزدان أسود بحزام طويل وفيه عدة جيوب لفرز القطع النقدية وتوضيبها.
بأيدي كل منهم كيس من بزر “دوار القمر”، يشردون لبعض الوقت وثم يضحكون ويعاودون الصمت. سألت البنية الحلوة عن تعرضها لضرب أو تحرش أجابت بلا قاطعة لكنها روت لي بأن متسولا آخرا من خارج مجموعتها سلبها مائتي ليرة نقدها إياها أحد المارة… أسألها عن توقيت الخروج في هذا الوقت والجو الماطر، فتجيب نحن نخرج كل يوم حتى لو كنا سخنانين حسب كلامها الحرفي، ولا نخرج باكراً لأن الموظفين والطلاب والعسكريين الذين يتوجب عليهم الخروج باكراً إلى أعمالهم لا يعطونا ولا ليرة، تبدو متعاطفة معهم، أخجل من توظيفها للكلمات ولتنميطها للبشر العابرين وتوصيفها لهم.
وتتابع:«بعد التاسعة يخرج إلى الشارع أصحاب المهن وأصحاب الدكاكين والنساء غير العاملات»، تحدد من يمنحها الغلة وتقول إنها تحفظ وجوه من يعطيها دوماً ومن يشتمها أو يهرب بعيدا عنها ولا تنسى أبدا وجه من أعطاها يوماً ألف ليرة كاملة.موقع سناك سوري.
تصرخ المعّلمة قائدة الفريق بالطفلة وتأمرها بالجلوس ملاصقة لها ينتهي الحديث هنا. لا وقت لدي لأتابع رحلتهم اليومية حين يصلون لتحت جسر الرئيس حيث عملهم اليومي والأزلي، يبدو أنهم يولدون ليصبحوا متسولين، الآباء والأمهات في خلواتهم يتكاثرون وينفقون ما يجمعه أبناءهم ويرسلونهم من جديد كل صباح لامتهان لا حدود له ولا من يرده أو يمنعه، لا وجود لمن يصرخ في وجه الأهل ولا العاملين الاجتماعيين ولا في وجه العطالة المبسترة والمسكوت عنها، عطالة في الأدمغة والأجساد والإرادات.
اقرأ أيضا : في سوريا تبرع بكل ثروته للأطفال المشردين