سامية.. سائقة تاكسي تكسر الصورة النمطية وتواجه التمييز في شوارع العاصمة
سائقة تاكسي في دمشق توفّر الأمان للنساء وتواجه تضييقاً من بعض عناصر الشرطة
						“تاكسي مدام؟ تاكسي أستاذ؟”، في ساحة مكتظة بالسائقين الرجال، يرتفع صوتها وحده مختلفاً، يحاول أن يثبت وجوده في سوق يرفض الاعتراف به، نظرات الاستغراب تلاحقها، لكن يدها تبقى مرفوعة، تنتظر راكباً لا يهمه جنس السائق، بل وجهته فقط، واحدة فقط تسأل: “أنتِ بتسوقي؟” فيكون الجواب: “إي وناطرة زبون جريء”، تضحكان وتمضيان سوياً إلى السيارة القريبة.
سناك سوري-داليا عبد الكريم
السائقة الشابة في شوارع دمشق، رفضت رفضاً قاطعاً الكشف عن اسمها ولا حتى الأول، تقول لـ”سناك سوري”، إن لها أسبابها الخاصة، مؤكدة أنها غير متعلقة بنظرة المجتمع أو رغبتها بإخفاء هويتها، واختارت أن تعرّف عن نفسها باسم “سامية التي تعيل أيتام شقيقتها”.
قبل أعوام كثيرة مضت، لم يكن من الشائع أن ترى امرأة تقود سيارة نقل ركاب، لكن سنوات الحرب والأزمة المعيشية ساعدت كثير من النساء على الخوض في مهن جديدة لم يعتدها المجتمع سابقاً، مثل قيادة السيارة العامة لنقل الركاب، لدى سامية وجهة نظر مختلفة، وتؤكد أنه كان هناك 5 نساء على الأقل يعملن سائقات تاكسي في العاصمة منذ زمن بعيد قدرته بـ15 عاماً، لكنهنّ لم يكن واضحات في العاصمة الكبيرة التي يبدو أنها تبتلع كل شيء وتجعله غير مرئي حتى سائقة سيدة!
دفعت سنوات الحرب السورية وما رافقها من أزمات معيشية كثيراً من النساء إلى اقتحام مجالات عمل لم تكن مألوفة لهن سابقاً، مثل النقل العام، الميكانيك، الأعمال الحرة وغيرها، لم يعد خروج المرأة عن الأدوار التقليدية مجرد خيار شخصي، بل ضرورة للبقاء، ما ساهم تدريجياً في زعزعة بعض الصور النمطية، ولو بشكل بطيء وغير متوازن.
كان هناك 5 نساء على الأقل يعملن سائقات تاكسي في العاصمة منذ زمن بعيد قدرته سامية بـ15 عاماً، لكنهنّ لم يكنّ واضحات في العاصمة الكبيرة التي يبدو أنها تبتلع كل شيء وتجعله غير مرئي حتى سائقة سيدة!
من الأعمال الإدارية إلى سائقة
سامية التي تبلغ من العمر نحو 40 عاماً، كانت تعمل في شركة خاصة أعمالاً إدارية، وهي خريجة معهد متوسط تجاري، بدأت العمل كسائقة قبل نحو عام ونصف، حينها كانت تريد عملاً بمردود جيد، لكن الخيارات ضاقت جداً وكان لابد من البحث عن “عمل ماشي بالبلد”، تضيف لـ”سناك سوري”: «بسبب الركود الاقتصادي العديد من الأعمال توقفت تماماً، ومعظمها لم يعد ينتج مردوداً كافياً، المواصلات من ضمن الاحتياجات الرئيسية التي كان تأثرها أقل بالوضع العام ومردودها أعلى فاخترتها».
فكرت سامية بالاستثمار بنفسها، وكان من الواضح أنها تمتلك شغفاً بالإعلام والصحافة، لم تعبر عنه بشكل مباشر لكنها اختارته كمثال: «اليوم لحتى تعملي أي مشروع أو تستثمري بنفسك لتصيري مذيعة، بدك راسمال تصرفي على حالك بالدورات والتدريب، هذا المردود من وين بدو يجي؟ أكيد بدو عمل ودخل».
تتوقف قليلاً لا تخونها الكلمات، تتحدث بطلاقة لا متناهية، عن الحرب، الوضع الاجتماعي، النساء وحتى عن الركود الاقتصادي، تتوقف لأن رجلاً غافلها وتجاوزها بطريقة غير صحيحة، لا تشتم ولا تنفعل، تصمت قليلاً تركز في المهمة ثم تقول: «مشكلة كل السائقين والسائقات إنن ما بيحفظوا الإشارات والشاخصات صح وبيحبوا يتجاوزوها وما بعرف ليش».
سامية خريجة معهد متوسط تجاري، بدأت العمل كسائقة قبل نحو عام ونصف، حينها كانت تريد عملاً بمردود جيد، لكن الخيارات ضاقت جداً وكان لابد من البحث عن “عمل ماشي بالبلد”
تتابع حديثها دون أن تلتفت إليّ، عينها على الشارع والسيارات أمامها، بينما تتابع سرد تفاصيل قصتها: «يقولون إننا نحن النساء نستطيع التركيز بعدة أعمال معاً، أعتقد هذه ميزة عظيمة يحتاجها السائقون والسائقات في هذا الزحام»، ثم تبتسم وتخبرني بأنه من حسن الحظ أنها لم تتعلم التدخين وإلا كانت ستصرف شيئاً من تركيزها الذي تحتاجه للتعامل مع السائقين والسائقات من حولها.
عمل النساء في قطاعات غير رسمية، كما هو حال سائقات التاكسي بسيارات خاصة، يسلّط الضوء على هشاشة هذا النمط من التشغيل، إذ لا يوفّر لهن أي حماية قانونية أو اجتماعية، ويجعلهن عرضة للمساءلة أو الإقصاء بسهولة، في ظل انعدام بدائل عمل مستقرة، يصبح القطاع غير الرسمي ملاذاً قلقاً وليس خياراً آمناً.
تمييز ومحاولة إقصاء
ليس لدى سامية “مدير يقول لها تعي وروحي”، لكنها تعيش تفاصيل أشد تحدياً مع بعض عناصر الشرطة، الذين يستهجنون عملها كسائقة سيارة وتقول إنهم يعرقلون عملها بطريقة مبطنة، تضرب مثالاً بأنها تقود سيارة خاصة وتعمل عليها كسيارة عمومي، وعناصر الشرطة يجدون في هذا الأمر سبباً لإبعادها أحياناً، وحين تخبرهم بوجود رجال يعملون كسائقي تاكسي عمومي على سيارة خاصة وتشير إليهم يقول لها الشرطي: «ليش بدك تخربي عليه عندو عيلة بدو يطعميها».
تشعر سامية بضيق كبير وتخبره بأنها تعيل أطفال شقيقتها الأيتام أيضاً ووالدها متوفى، مع ذلك لا تجد أي تعاطف منه ويصر على إبعادها بحجج وذرائع مختلفة، مرة ممنوع التوقف هنا، ومرة سيارتك خاصة وغيرها.
تتهم سامية بعض عناصر الشرطة بالتضييق عليها وممارسة نوع من التمييز الصامت بينها وبين زملائها السائقين الذكور.
طريقة تعامل بعض عناصر الشرطة مع سامية، مقارنة بتعاملهم مع زملائها الذكور، تكشف عن شكل من أشكال التمييز الصامت داخل المؤسسات، حيث يُحمى الرجل باسم “الإعالة”، بينما تُساءل المرأة حتى وهي المعيلة الوحيدة، هذا التباين لا يعبر فقط عن مواقف فردية، بل عن ثقافة مؤسساتية تفتقر إلى العدالة الجندرية.
باستثناء تصرف بعض عناصر الشرطة معها، ونظرات الاستغراب من الناس أحياناً، لا تواجه سامية أي تحديات أخرى، وتحظى بدعم وتشجيع عائلتها الصغيرة التي تقول إنها لا تمتلك نظرة فئوية ولا تميز بين الذكر والأنثى، مع ذلك لا يخلو الأمر من بعض التعليقات السلبية من ناحية عائلة والدتها، «ساكنين بالريف والبيئة عندن منغلقة بعكس الشام هون أكثر انفتاحاً».
سامية نفسها ليست من دمشق، وتقول إنها تنحدر من باب السباع في حمص، لكن عائلة والدها أتت إلى دمشق منذ زمن بعيد وعاشت وأسست حياتها فيها.
لا تشعر الشابة بأي قيود تمنعها من متابعة عملها مساء، “فالشام لا تنام”، والوضع الأمني مستقر، كما أن حركة العمل تزداد مساء خصوصاً من قبل النساء اللواتي يحصلنّ على رقمها ويطلبنها حيث يرينّ فيها عامل أمان لكونها امرأة مثلهنّ، على حد تعبيرها.
وجود نساء في مهن تقدم خدمات مباشرة، مثل قيادة التاكسي، لا يشكّل تمكيناً اقتصادياً فقط، بل يخلق شعوراً مضاعفاً بالأمان لدى النساء، خصوصاً في التنقل الليلي أو في الحالات الخاصة، حين تطلب النساء “سائقة تاكسي” دون تردد، فإنهن لا يبحثن عن سائق فقط، بل عن مساحة من الثقة والخصوصية قد يصعب تحقيقها مع رجل غريب.
					







