تظن الحكومة أنها أنقذت اقتصاد البلاد من الغرق برفع الدعم عن المحروقات وزيادة الرواتب 100%. لكن لو نظرنا فقط إلى أجور النقل التي فرضتها على المواطن سنكتشف من اللحظة الأولى أن هذه القرارات توصل المواطن للكفر بالوطن والدولة ومعاً.
سناك سوري – بلال سليطين
في ريف جبلة هناك قرية ريفية بسيطة اسمها خرائب سالم بسيطة يعمل سكانها بالزراعة التي تدهورت بسبب قلة المياه فتحول الاعتماد تماماً على الوظيفة الحكومية. والتي تمثل بالنسبة لأبناء القرية الموظفين الوسيلة الرئيسية لتأمين احتياجاتهم الأساسية من الطعام والشراب.
وبعد الزيادة الأخيرة أصبح راتب الموظف الحكومي من الفئة الثانية التي تمثل متوسط الموظفين في البلاد قرابة 200 ألف ل.س.
بينما أقرت تسعيرة النقل من خرائب سالم إلى المدينة بـ 2150 ل.س. ومع ذلك تقاضى السائقون اليوم أجور نقل بين 2500 و3000. بحجة أنه ما بتوفي معنا ومنرجع فاضيين وغلاء الصيانة ..إلخ من حجج جزء منها مبرر ومقبول.
لكن إذا افترضنا أن تكلفة النقل ستدفع وفق التسعيرة الرسمية بزيادة 50 ليرة لأن ما في خمسينات بالبلد وما حدا معه يرجعلك خمسين. فإن التكلفة ستكون للذهاب والإياب 4400 ليرة.
وبحساب أن هناك 22 يوم دوام في الشهر، فإن إجمالي تكلفة المواصلات من القرية المذكورة إلى المدينة مكان الوظيفة ستكون شهرياً 96800 ألف ليرة على اعتبار أنهم لايحتاجون أي وسيلة أخرى للوصول من وإلى مكان عملهم.
أي أن الموظف/ة من هذه القرية سيدفعون قرابة نصف الراتب أجور مواصلات ويبقى لهم 103 آلاف ليرة ليعيشوا بها باقي الشهر .
يحتاج المواطن في هذه القرية لـ 300 ألف ليرة تكلفة تدفئة
في خرائب سالم هناك برد شديد شتاءً وإذا ما أردت أن تحصل على تدفئة عليك أن تشغل المدفئة على مدار الساعة طوال 6 أشهر من العام. وإلا ستتجمد أنت وأطفالك من البرد.
وبفرض أن طاسة واحدة من مدفئة المازوت تكفي لليوم فإنك بحاجة كل يوم وفق السعر الجديد 10 آلاف ليرة سورية تدفئة. على اعتبار أن الطاسة تتسع لـ 5 ليتر وكل واحد بـ 2000 ليرة. وبالتالي فإن تكلفة التدفئة شهرياً 300 ألف ليرة. ومن البديهي أن الموظف ليس بإمكانه أن يدفع هذا المبلغ لذلك سيلجأ للتدفئة على الحطب. والتحطيب ممنوع في بلادنا الخضراء وبالتالي فإنك تدفع المواطن لارتكاب جريمة. والقرية المشار لها هي نموذج من آلاف القرى في هذه البلاد كلها تتشابه لناحية وقع الكارثة عليها.
الموظف بالإكراه
هذا المواطن ذاته لو أراد أن يستقيل من وظيفته فإن الحكومة ذاتها تمنع عنه حق الاستقالة. وفي حال قرر الغياب عن وظيفته فإنه معرض للمساءلة والمحاسبة من قبل الأجهزة المختصة. وربما يتهم بالتخاذل أو التخلي عن مسؤولياته الوطنية.
بينما لا يمكن لهذا المواطن أن يتهم الحكومة بالتخاذل والتخلي عن مسؤولياتها تجاهه بقرار رفع سعر المازوت. الذي سيعرقل حياته ويعيق إرساله لأبنائه للجامعة ويرفع أسعار مختلف المواد في حياته اليومية. لا يمكنه أن يتهمها بأنها سرقت زيادة الراتب من جيبه برفع الدعم حتى قبل أن يستلم راتبه.
ربما يكون رفع سعر البينزين مبرراً لناحية أن المواطن العادي ليس لديه سيارة غالبا وإن كان البينزين يؤثر على سيارات النقل العاملة عليه. لكن رفع سعر المازوت لايمكن تبريره بأي شكل من الأشكال ولا يمكن القول إننا مازلنا ندعم مازوت الخبز. فإذا قرر الموظف أن يأكل كل يوم على مدار الشهر خبز وبيض فقط فإن ماتبقى من راتبه ينفذ على فرد واحد من الأسرة فقط.
ليس بمقدور المواطن تحمل رفع أسعار المازوت بأي شكل من الأشكال، ومافعلته الحكومة في 15 آب هو تدمير للمواطن ودفعه للكفر بالوطن والدولة. ونتائج هذا القرار ستكون مدمرة على المدى القصير وسينتج عنها آثار كارثية على الاقتصاد والسياسة والمجتمع.