رحلة في السويداء على طريق الموت .. والنجاة مأساةٌ أُخرى
حافلة حاولت إنقاذ الأهالي فاستهدفتها القذائف .. والمدينة تحوّلت لمأتم عزاء

سنتذكر ذلك اليوم المشؤوم جيداً، الاثنين الخامس عشر من تموز 2025 حين خضنا طريق الموت في سباق يشبه القيامة بينما حاصرتنا القذائف ورصاصات القنص أثناء بحثنا عن مساحة ضيقة من الأمان.
سناك سوري _ رهان حبيب
اصطحب أخي زوجته وأطفاله الثلاثة وخاض بهم الطريق من قرية “الثعلة” إلى مدينة “السويداء”، قبل أن نتبعه على الطريق ذاته بنحو نصف ساعة، ليأتي تحذيره بأن الطريق مقنوص وعلينا الإسراع قدر الممكن لتجاوز منطقة الخطر.
طلبتُ من أمي وخالتي الانحناء نحو الأسفل توخياً للحذر بينما مدّت أختي يدها من المقعد الخلفي بحقيبة كتفها لتضعها جانب رأسي كنوع من الحماية اليائسة، في وقتٍ قدتُ فيه السيارة بأقصى سرعة وصلتها على وقعِ أصوات القذائف التي كانت تهطل بين جموع السيارات، وفي لحظةٍ ما انفجرت قذيفة على جانب الطريق ونجونا بأعجوبة.
النجاة .. مأساة أُخرى
تعالت أصوات القذائف، وارتفعت معها معدلات الخوف ودقّات القلوب، وتسارعت أنفاس أمي السبعينية ودعوات كل من معي لأجل النجاة التي كانت مأساة أخرى.
وصلنا إلى منزل أختي في “السويداء” وبدأنا بمتابعة أخبار الواصلين من الأهل والجيران، لكن بينهم من لم يصل أبداً، خسروا حياتهم إثر انقلاب حافلة حاولت إنقاذ من تبقّى في “الثعلة” ونقله لخارجها مع اشتداد المعارك واستهداف المدنيين.
كانت الحافلة مجرد “ميكروباص” عمل لسنوات على طريق القرية، وحين أراد الخروج منها قبيل غروب يوم الاثنين نقل معه عدداً من الأهالي، لكن شظايا القذائف المتتابعة أودت بحياة السائق وأصابت عدداً من الركاب، وفي ظل عجز فرق الإنقاذ عن الوصول لموقع الحادثة فارق المصابون الحياة.
أخبرنا أحد الشبان أن من بين الركّاب من حاول الزحف مسافةً طويلة للوصول إلى من يسعفه لكن دون جدوى، وتناثرت جثامين الركاب على الطريق وكانت أول ما وجدته مجموعة شبان توجهوا إلى القرية للاطمئنان على المنازل ومن بقي من أهلها لحماية منزله.
تحوّلت النجاة إلى مأساة في ظل توارد أخبار الموت، الأهل والأصدقاء والجيران والمعارف، كل عائلة تبكي ضحاياها بعد أسبوع دموي حفر آثاره في تاريخ المدينة كذكرى طويلة الأمد، بينما عجز كثيرون عن دفن أقاربهم تحت وطأة المعارك، وتعرّف البعض على جثامين أحبائهم بصعوبة، ساد الموت والألم في كل شيء حولنا وأصبحت “السويداء” مأتم عزاء كبير.