الرئيسيةيوميات مواطن

رحلة النزوح الثانية.. من حلب إلى كل سوريا

كان صوت والدي أشدّ وأقوى من أن يسمح لي بإلقاء نظرة الوداع على بيتنا الذي قد نعود ولا نجده

لم أكن أفكر برحلة النزوح من حلب، قبل أن يصرخ والدي “بسرعة كلكن عالسيارة”، لم يكن هناك وقت لألقي نظرة الوداع الأخيرة على منزلي وغرفتي وشوارع الحي الذي سرت فيها تائهاً أحياناً، فرحاً في أخرى، كان صوت أبي وصراخه وهو يخبرنا أنهم باتوا على مقربة منا. كفيلاً بأن نتحرك حتى من دون أغراضنا الشخصية، خرجنا مع ذكرياتنا دون أمل بعودة.

سناك سوري-نزوح سوري

لا أتذكر الكثير من تفاصيل النزوح الأول مطلع الحرب، كنت صغيراً بما يكفي لئلا أحتفظ بذكريات شاءت الحياة أن تهبني إياها اليوم. كانت الساعة تشير للسادسة مساء، لم يتبقَ سوى القلة القليلة من الجيران، الجميع حاولوا الرحيل في رحلة نزوح جديدة محفوفة بالقهر والخذلان.

في رحلة النزوح من حلب، وعلى الطريق إلى السفيرة التي لا تبعد أكثر من 29 كيلومتراً عن منزلي. احتجنا 8 ساعات، عدد السيارات المغادرة على الطريق الذي لا يتسع لأكثر من سيارتين تجاوز 50 ألف سيارة. محملة بالنازحين وبعض أغراض منازلهم وقهرهم.

السيارة التي لا تتسع لأكثر من 5 أشخاص، تواجد فيها عشرة حشروا أنفسهم في صناديق سيارات البيك أب رغم برودة الجو وقساوته.

مشهد آخر لا يقل إيلاماً، عدد من السائقين مع عوائلهم وأطفالهم اضطروا للتوقف. انتهى البنزين في الوقت الحرج، أساساً كانوا يدركون أنه سينتهي لكن المهم بالنسبة إليهم كان الابتعاد عن حلب والنجاة بأرواحهم وأرواح أطفالهم.

بدأوا استجداء البنزين من السيارات العابرة. لكن من ذا الذي قد يفرط بمادة تقوده إلى الفرج والحياة بعيداً عن المعارك والحرب؟ مع ذلك كان البعض يتوقف ويشاركهم القليل مما يمتلك.

لم نستطع أن نزيد من سرعة السيارة لأكثر من 20 كم بالساعة في أحسن الأحوال.، الزحام كان خانقاً والجميع يبحث عن الإنقاذ. وأخيراً وبعد 8 ساعات وصلنا خناصر، كان الوضع أفضل بقليل احتجنا 3 ساعات ونصف فقط للوصول إلى سلمية.

الساعة الخامسة والنصف فجراً، وصلنا إلى بر الأمان، ها نحن في بلدة غريبة عنا لا نعرف فيها أحداً. لكن الجميع كان يرحب، سرعان ما ساعدتني صديقة على إيجاد منزل مؤقت، إلى أين نتجه لاحقاً؟ لا نعلم على الأقل حتى اللحظة.

العقل متعطل عن التفكير، لا سبيل أمامنا ولا أحلام ولا منزل يقينا شرّ التفكير بالقادم. لم يعد لدينا سقف تركناه خلفنا، ولا نعلم إن كنا سنعود لنراه يوماً، أم أنه بات واحداً من الذكريات التي تلازمنا “كان عنا بيت هون”.

زر الذهاب إلى الأعلى