بالرصاص الحي وضِعَت النقطة الأخيرة على سطر لافتات “كفر نبل” التي اشتهرت على مدى قرابة ثماني سنوات من عمر الأحداث في سوريا. ولطالما كانت محط متابعة من المتفقين والمختلفين معها لما تمتعت به من روح الفكاهة.
الرصاص الذي أطلقه مجهولون (معروفون) أصاب صانع لافتات كفرنبل “رائد فارس” ورفيقه “حمود جنيد” بمقتل بعد صلاة الجمعة “أمس” في المدينة التي انطلقا منها واشتهر عنها “فارس” على مستوى عالمي.
سناك سوري – بلال سليطين
القتلة أدوا صلاة الجمعة ومن ثم توجهوا للسماء بالدعاء وبعدها انطلقوا إلى مهمتهم في قتل “رائد فارس” ورفيقه. يقول أحدهم ذلك ساخراً من النهج والأسلوب والقاتل في إشارة إلى أن الفاعل هو التنظيمات الدينية التي تقبض على الشمال السوري بالحديد والنار.
ردة فعل الأهالي الذين لطالما حملوا لافتات “رائد فارس” كانت كمن لاحول له ولاقوة. لملموا دماء الضحية وحملوا نعشه على أكتافهم كما كانوا يحملون لافتاته. لكنهم هذه المرة كانوا أكثر ميلاً للصمت منه إلى رفع الصوت.
قتل “رائد فارس” لم يقتصر على البعد المحلي. حيث نعته دول كبرى في العالم. تقول “كندا” إن مقتله خسارة كبيرة. وكذلك تفعل “بريطانيا”. بينما تصدر “أميركا” بياناً طويلاً عريضاً. لكنها تنسى أن تذكر فيه أن السلاح والرصاص الذي قتل فيه ربما تم شراءه بأموال الدعم الأميركي. وأن الجماعة القاتلة لربما هي من الجماعات التي دعمتها أميركا في سوريا خلال السنوات الثماني الماضية.
يقتلون القتيل ويمشون بجنازته. ربما هذا التوصيف الأمثل لأولئك الذين يتباكون على “رائد فارس” بعد أن كانوا خلال سنوات عديدة خلت داعمين للتنظيمات المتطرفة وللسلاح والتسليح.
اقرأ أيضاً: إدلب ترقب للمستقبل المجهول على وقع الاغتيالات والتفجيرات
تقول “ريم تركماني” وهي صديقة “فارس” معلقة على اغتياله:«بعض المدافعين الأشاوس عن جبهة النصرة ينشرون صورهم اليوم وهم يبكون “فارس وحمود”. القناة (الثورية) (تقصد أورينت) التي كانت تدافع عن النصرة وتحرص على عدم تشويه سمعتها تنشر فيديو عن الضحيتين وتسجل محاولة اغتيالهم ضد مجهول». وتضيف “تركماني” «هناك نفاق لم يعد يحتمل».
الرصاصة التي وضعت نقطة آخر سطر لافتات كفرنبل دقت أيضاً آخر مسمار في نعش التيار المدني شمال سوريا. فأغلب إن لم يكن جميع من يمثلون هذا التيار أصبحوا خارج سوريا وخارج الشمال السوري الذي بات تحت سلطة تيارات تكفيرية متشددة. ومن بقي منهم في الداخل بقي صامتاً متفرجاً لا حول له ولا قوة.
يقول “محمد السلوم” وهو من أصحاب الفكر المدني المعارض أيضاً وقد غادر إلى تركيا بعد أن آلت الأمور إلى ما آلت إليه في إدلب:«عندما وصلت إلى تركيا اتصل بي رائد وحمود يقولان لي إنني “انهزمت” (أي هربت) فأجبتهم نعم إن الواقع مخيف». محمد والآلاف مثله خافوا من السلاح والمسلحين والتسليح وغادروا بينما بقي “رائد” و”حمود” ليقعوا ضحية هذا السلاح. فالحالة المدنية التي عبرا عنها سواء في اللافتات أو في راديو “فريش” الذي كان يديره “فارس” وتعمل فيه “النساء” مثلاً لم يكن ليعجب حملة السلاح والفكر الظلامي فاعتقلوه سابقاً وضيقوا الخناق عليه مراراً وتكراراً.
يقول “شادي صعب” وهو ناشط أيضاً:«الرصاصة التي تصفق لها اليوم. سيكون قلبك دريئة لها في الغد». ربما يختصر كلام “صعب” هذا الكثير من الكلمات التي يمكن أن تكتب في هذا الإطار.
اقرأ أيضاً: اغتيال 5 من أعضاء الخوذ البيضاء … وانفجار جديد يهز إدلب
الهيئة العليا للتفاوض أبت إلا أن تسجل موقفاً في قتل الناشطين. فأصدرت بياناً تحابي فيه التيارات والكتائب المتشددة في الشمال السوري ولا تحمل فيها المسؤولية لأحد. ولم يكن ينقص البيان إلا كتابة فقرة “بانتظار نتائج التحقيق” وهم الذين لم يتوقفوا منذ إعلان تشكيل الهيئة عن إطلاق الأحكام القطعية حول أي صغيرة وكبيرة تحصل في سوريا وتوجيه البوصلة باتجاه واحد.
وحده “جورج صبرا” لم يعلق على الحدث عبر الشاشات والصحف وووسائل التواصل الاجتماعي التي لا يوفر فرصةً للظهور عليها. ربما مازال متأثراً بموقفه التاريخي يوم قال “إن النصرة جزء لايتجزأ من ثورة الشعب السوري” يقول ذلك مغردون على تويتر بعضهم كانوا مؤيدين لهذا التصريح يوماً.
بالمحصلة قتل “فارس” و”حمود” بالرصاص والسلاح. هذا الرصاص الذي قتل كثيريين قبلهم وسيقتل الكثيرين بعدهم. فمسيرة السلاح لا تأتي إلا بالدم. ربما يتمنى الاثنان اليوم لو يدفن كل السلاح معهما وتفنى آخر رصاصة من سوريا وحتى من هذا العالم. ويدفن معها أيضاً كل فكر ظلامي متشدد.
اقرأ أيضاً: عراب المصالحات في “الصنمين” ينجو من محاولة اغتيال ويدخل المشفى