“رأس العين” بعيدة عن العين وليست بعيدة عن القلب
اللعنة على السياسة وأحكامها والسلام لأرض السلام
سناك سوري – سناء علي
لم أستطع أن أضع مشاعري على جلدي كما نصحتني إحدى صديقاتي قبل سفري من “سوريا” منذ حوالي الشهر، وأنا أتابع أخبار العدوان التركي على شمال شرق البلاد .. حيث أعلن أمس عن سيطرة المعتدين على مدينة “رأس العين” في محافظة “الحسكة”.
تتجاوز مشاعر الغضب مسام الجلد تلقائياً وتصل إلى تلافيف الدماغ، وخلجات القلب فالأرض السورية تنزف من جديد، وصور النزوح السوري ورغيف الخبز المدمى، ومقاطع إطلاق النار على الجثث المرمية في الطرقات، وأخبار الضحايا والجرحى، تعيدني إلى مربع الحرب الذي أحاول عبثاً الخروج من أضلاعه القابضة على روحي وعقلي.
أتنقّل بين الصفحات والمواقع أتابع أدق التفاصيل: «لماذا لم أذهب مع أصدقائي في رحلتهم لقضاء يوم العطلة في العاصمة “بودابست”، المصنفة واحدة من أجمل 10 مدن العالم في العام الماضي»، ألوم نفسي على إهمالها بحق نفسها، فمالي وأخبار الحرب وأنا البعيدة عنها كنت سأقضي وقتاً جميلاً بلا شك مع المناظر الرائعة، فيما تساهم وحدتي في هذه الغرفة اللعينة في زيادة الأمر سوءاً.
لا يستغرق الأمر في هذه المحاورة الدخلية سوى بضعة دقائق حيث أعود لتقصي الأخبار، وقراءة التعليقات، لا أفهم شيئاً، من المواقف، ما أعرفه أنني لم أترك شتيمة أعرفها إلا وتلفظت بها ضد العدوان والمؤيدين له والمقاتلين معه والشامتين معهم.
كنت قد قرأت في السابق قصة للقاص السوري “حازم شحادة” تتحدث عن منطقة شرق الفرات، التي أعتبرها واحدة من أعقد البقع الجغرافية في العالم فالكل ضد الكل ولا أحد يعرف من يقاتل ضد من.. “قسد حليفة الأمريكي وعلى خلاف تاريخي مع التركي، وليست على وفاق مع الحكومة السورية بالرغم من تقاسمهما العداء للقوات التركية المحتلة، والتركي حليف الأمريكي وفي صراع مع الحكومة السورية، والأمريكي لديه صراع تاريخي مع الروسي، والروسي يقاتل إلى جانب الحكومة السورية ضد الجهاديين المدعومين من”تركيا” في “حلب” و”اللاذقية”، ولكنه ينسق مع التركي وينصح قسد في الشرق، والإيراني حليف أساسي للحكومة السورية وأكبر شريك تجاري للتركي.. أوووووه…
تباً لذاكرتي، لماذا تستحضر هذه القصة الآن، رأسي مثقل ولا أستطيع التركيز، فكيف سأركز بقضية بهذا الحجم، حسناً ربما كانت التعليقات هي من قادتني لذلك، تعليقات سورية داعمة للعدوان وأخرى شامتة وأخرى داعية للسلام وووإلخ، بينما الروس والأمريكان ليسا على خلاف حاد هذه المرة، أما أهل العروبة فلا شيئ يدعو للمفاجأة، السعودية ولفيفها تأخذهم لهفة مفاجئة على أشقائهم السوريين، بعدما عاثوا في أرضهم خراباً، فيدينون العدوان، بينما “قطر” وجزيرتها تسيران إلى يمين من يطوبونه “الخليفة” العثماني الجديد.
في أيامك الأولى في الغربة، بعد 8 سنوات من معايشتك للحرب بكل أخبارها وتفاصيلها، يكون شعورك متناقضاً، فأنت بعيد عن الشرائط الحمراء العاجلة التي تتسابق على نقل أخبار موتنا، كل على طريقته الخاصة، ولا أحد يقول لك “لك سمعت أخدوها للمنطقة الفلانية، ورجعوها للمنطقة العلانية”، والخيار لك أن تبقى على خطوط تماس البلاد، أو أن تغادرها، وتقف محتاراً ماذا تفعل؟.
لطالما كنت على يقينٍ، أن تعدد الخيارات أكثر صعوبة من وحدانيتها، إذ أن وجودك داخل البلاد، يعتبر بحد ذاته فعلاً مقاوماً للحرب، يمنح صك غفران إذا ما انشغلت عن متابعة أخبار الحرب، فأنت تكتوي بنارها، و تنفس هواءها، أما خارجها فأنت تعرف أنك لم تعد تستحق “سوريتك” كما أولئك الذين يعانون، لا حق لك بالصراخ كما يصرخون، ولا أن تتوجع كما يتوجعون، حتى السخرية من الألم التي لطالما كانت أحب إلى قلبي لم تعد خياراً متاحاً، بينما يصبح الفرح نوعاً من خذلانك لتلك الأرض، لا تستطيع منع روحك من الشعور به، مهما حاول عقلك تسويق المبررات المنطقية لهذا الفرح.
اقرأ أيضاً: العدوان يقصف فرناً ونقطة طبية.. حزب مقرب من “رامي مخلوف” يخسر ترخيصه.. أبرز أحداث اليوم