
تغييرات في سياسة تحرير صحيفة الحزب الحاكم في سوريا
سناك سوري-دمشق
انسحبت الدكتورة “نهلة عيسى” الأستاذة في كلية الإعلام بجامعة “دمشق”، من صحيفة “البعث” المحلية، معلنة توقف الكتابة فيها بعد سبع سنوات، باحتجاج لطيف على حذف بعض العبارات من مادتها الأخيرة التي لم تنشر، بحسب حديثها.
وقالت “عيسى” في منشور رصده “سناك سوري” عبر صفحتها الشخصية في فيسبوك، إن «مقال اليوم لم يرق لرئيس تحرير الجريدة الأستاذ محمد كنايسي، وقرر حذف بعض جمله، وهذا حقه وأحترم ذلك، ولذلك استخدمت أيضاً حقي وقررت الاعتذار عن مواصلة الكتابة».
“عيسى” أكدت أن الصحيفة وطيلة سنوات عملها بها، احتفت بها وبمقالاتها وأفكارها و”شطحاتها” وتجاوزها لكل السقوف، مشيرة إلى أن قرار انسحابها ليس «بغرض تسجيل موقف ولا ادعاء بطولة، لأن الجريدة لطالما احتضنت كلماتي وقناعاتي بحب شديد مهما اختلفت معها، ولكن ربما لأنه قد آن أوان الرحيل لئلا يتحول خمري إلى خل، ولترك المجال لأقلام أخرى ربما تكون أكثر اخضراراً».
من غير المعروف لماذا قررت رئاسة تحرير الجريدة حذف بعض العبارات، إلا أن الموضوع يوحي بتغيير في سياستها علماً أن من حق أي رئيس تحرير تعديل بعض العبارات والنصوص التزاماً بالسياسة التحريرية للوسيلة الإعلامية.
اقرأ أيضاً: “نهلة عيسى” لـ سناك سوري: التغيير في الإعلام السوري مازال شكلياً
ونورد إليكم نص مقال الدكتورة “نهلة عيسى” كما جاء في صفحتها الشخصية:
جريحة معرفة
د. نهلة عيسى
عن سابق ترصد وتفكير, كنت قد قررت مع مطلع الشهر, أنه لا نكد بعد اليوم, إذ لست ذو القرنين لأحمل العالم بهمومه فوق رأسي, ولذلك أمام الجميع كنت سأعلن إضرابي عن الأخبار, وسأحزم الهموم في صرة, أخفيها في قاع الذاكرة, وسأهاجر إلى الفرح, إلى اللامبالاة, لأن في داخلي رغبة ساذجة دفينة, بالتحليق مع الطيور, علني لا أرى من أعلى, لا الجروح, ولا الندوب, ولا مقاولي الوطن يعلبونه “مقبلات” و”سناكات” للمتريضين والسابحين والسابحات, وللجالسين على المقاهي “يقزقزون” همومنا مع البيرة!
كنت قد قررت أن ثمان سنوات وأيامي تسعل فيها الظلمة والبرد والأرق كافية للتقاعد من الوجع, فالقناديل تموت, وشعاع الشمس كخيوط العنكبوت, وقدمي تتلمس السلمة الأولى إليه, ويدي تلتمس الحاجز, كي لا أقع, لأن قلبي جائع من أكل الرياء, بل منهك .. حتى البكاء, وبصدق يا رفاق, كنت اتساءل: بعد خراب الوطن ماذا يمكن أن يأكل القلب, كي لا يموت من العياء!؟
إلا أن القدر قاطع قراري بمرض أختي, ورمى في وجهي سؤال: تقولين أنك ستفارقين الوجع, هل نكستِ؟ أبتسم: أنا أريد ولكن على ما يبدو يا وجع: أنت لا تريد, تشظى الوطن, والرعب ليس من الحرب, حيث العدو, عدواً مبيناً, ولكن مما بعد الحرب, حيث العدو قرار, أو جار, أو قلة مال, أو صاحب مال يفرض العيش في ظل السيف وخواء البطون, وحيث المصابيح التي أوقدت للنصر تخبئ عينيها بأهداب جناحيها عن كل الجرائم التي تقع, بحجة ردم الجروح بالتراب, لأن التراب “كما يزعمون” دواء, لكن من يواسي القلب الذي اهترأ من الوجع, ومن يجمع حطامي وحطام الوطن من جديد, ومن يعيد أمي, من يرد أبي, ومن يشفي أختي, دون أن يتلو على أسماعي وصاياه العشر, وأولها: لا تنطقي!؟
يقاطع شكواي, ويقول: تتألمين؟ وأنت محسودة أنك “يوسف” محبوب “يعقوب”, ويقصد بذلك الجنود على الجبهات يقاتلون, ويضيف: لقد رحلت خلفهم إلى كل المطارح, وقلبك بقي بعيداً عن مسرح الجريمة, متسربلاً بالطمأنينة, لم يعرف الظلمة, يطرق الأبواب, يصاحب الدروب, ويتصفح الوجوه, كل الوجوه, ويرى في كل وجه على الجبهة, وجه الوطن, فيعتصمُ بالعروة الوثقى, ويبتسمُ!؟ قلت: لأنني ذهبت إلى كل المطارح وعرفت, أشكو, لأن المعرفة وجع, بل أشبه بصعود الجبال الشاهقة, في البدء يكون المرء محملاً بالأمل, وفي الختام يكون محملاً بالخيبة, ذلك لأن معظم حواراتنا الشخصية منها والوطنية, تحولت إلى ساحات معارك, الذاهب فيها إلى قول الصدق, والراغب في قول الحق, عليه أن يحفظ جداول الحساسيات الفكرية, والعقائدية, والطائفية, وحتى المزاجية, وعليه فقط ترديد نصوص جاهزة مسموح تلوينها بالمدائح, ومرفوض مناقشتها بالعقل, وممنوع فيها استخدام إشارات التعجب, والاستفهام, لئلا يعلنَ ويطوب مارقاً, خائناً, وفي أحسن الأحوال أنه لا يطاق!؟.
وأنا هذا الذي لا يطاق لأنه يعرف بعض الأشياء! والأدهى أنه يجاهر بأن تفاصيل يومنا باتت صوراً تناقض بعضها البعض, وتنفي بعضها البعض, وتتربص ببعضها بعض على حرف, أو حتى همسة أو غمزة عين, مما يجعل كل الأشياء, ملتبسة ومراوغة, وشبيهة بمواقف بعض مثقفينا, دائمي العيش في المنطقة الرمادية, بحجة مراقبة الأحداث من بعيد, لتكوين رأي عقلاني, وتنتهي الأحداث, ويموت من يموت, وينجو من ينجو, وهم مكانك راوح, ما زالوا يفكرون, وأظن أن لا شيء فيه يفكرون, سوى انتظار الرابح, وفي ركابه يركبون, ويقولون: الساكت عن الحق شيطان أخرس, تراهم هؤلاء يقصدون, أم الشيطان في بلادنا من وجهة نظر “المثقفين”, هو وحده من يعرف!؟.
أنا هذا الذي لا يطاق لأنه يعرف في الزمان آخر الزمان, حيث لا عرش إلا للرصاص, والمستفيدين من الرصاص, ولا رأي إلا لأصحاب العمائم, والميكرفونات, والخطابات المكللة بالكراهية, حينها أليس طبيعياً أن أغضب, أقاطع الأخبار, وأصاحب الصمم والعمى والخرس في رحلة طويلة, حتى يأتي زمن في بلادنا يطوب فيه العارف حكيماً, وليس “جريحة معرفة”!!