أطفال دير الزور: ألا ليت الزمان يعود يوماً لأخبره بما فعل الحصار!

في دير الزور سابقاً. كان لغروب الشمس تأثير حزين في نفوسنا ونحن أطفال. إذ كان إنذار بقرب انتهاء اللعب والدخول إلى البيت. على عكس أطفال دير الزور اليوم. الذين حرمتهم الحرب من كل شيء حتى ألعابهم البسيطة.
سناك سوري
كنا نغتنم هذه الفترة للعب “الغمييه”. وهي إحدى أكثر الألعاب التي كنا نحبها. وتبدأ اللعبة حين يستدير أحد الأطفال اللاعبين إلى الحائط ثم يبدأ العد بينما يختبئ الباقون في أماكن لاتخطر على باله. وحالما ينتهي من العد :
( عشرة ..عشرين ..ثليثين ..أربعين …الخ …تسعين ) يصرخ منبها الجميع بأعلى صوته قائلا ( فتحت واللي وراي عالأمو ) ويعني بذلك أنه سيبدأ البحث. ومن يجده أولا سيأخذ مكانه في العد والبحث.
من تحت دولاب شاحنة.. أو من خلف حاوية قمامة.. أو “برندة” أحد البيوت. يبدأ الأطفال بالحج والركض ليسبقوا ذلك الطفل إلى مكان وقوفه عند الحائط مغمضاً. وهو يصيح ( حجة ..حجتين ..ثلاثة ). ويكون بذلك قد نجا من مصيدة الوقوف بدلا من المغمض .. وهكذا ..
لكن على عكس ظلام اليوم الذي عصف بأطفال دير الزور. كانت تلك اللعبة تحلو أكثر فأكثر كلما اسود الظلام. ووقفت السيارات أمام المنازل حتى تبدأ أصوات الأمهات والأخوات معلنة انتهاء يوم جميل. ليصبح مجرد ذكرى في أرشيف الذاكرة. وما أحوجنا اليوم لاستحضار كل تلك الذكريات.
كما كانت اللعبة الأخرى التي كنا نلهو بها تدعى “السقلق”. وهي لعبة منظمة ذات قواعد وقوانين. حيث يتم اللعب بخمس حجرات صغيرات أو ثلاث.
اقرأ أيضاً: رحيل محمد الغناش .. دير الزور تخسر رسّام الموروث الشعبي الفراتي
يتم الاقتراع بنفس الحصى. حيث يضع اللاعب الحصى على يده وهي مقلوبة. على أن يقوم اللاعب المنافس بصفها بطريقة يعجز عن التقاطها عندما يقلب يده. واللاعب الذي يلتقط العدد الأكبر من الحجر هو من يبدأ اللعب .
تبدأ المرحلة الأولى وتدعى “الكامل”. حيث يختار اللاعب المنافس حجرة تقف عثرة لأخواتها. لتسد الباب وتضيق الخناق على دخول الحجرات الأخرى. وفي حال ملامسة الحجرة لإحدى أخواتها يخسر الجولة.
المرحلة الثانية “لحس وطابش”. حيث يقذف اللاعب الحجرة إلى الأعلى. ولكنه يلحس الأرض بإصبعه ولسانه. ليس جوعاً من حصار وإنما فرحاً من لهو ولعب.
وأما جائزة الفائز. فهي أن يتلذذ بتعذيب الخصم. من خلال عقوبات مضحكة مؤلمة تماماً كواقعنا اليوم. ومن تلك الجوائز:
“الكريص”: حيث يقذف الجرة إلى الأعلى. ويقرص يد الخصم بكل لؤم. حتى تسقط الحجرة ولا يستطيع إمساكها .
“الخميش”: بنفس الطريق السابقة. ولكن بدل القرص يخمشه خمشاً مؤلما. كما ويزداد الألم مع ازدياد طول الأظافر وحدتها.
“دق الجموع”: يقوم برمي الحجرة إلى الأعلى. ولكنه يدق يد الخصم المقلوبة أمامه. حتى تسقط الحجرة.
“وين عويناتك يالطير”: في العقوبة الأخيرة يقوم الفائز بقرص يد الخصم دون قذف الحجر. لكن حتى ظهور أي طائر في السماء. كما ولاتعتبر الحشرات طيوراً. كما كنّ البنات أشطر من الصبيان في هذه اللعبة الجميلة المسلية المؤلمة.
الجدير ذكره. أن هذه المعلومات كان قد دونها السيد “عبد الرزاق الخالدي”. ابن محافظة دير الزور المحاصرة من قبل داعش.