أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليلسناك ساخن

دعاة الدولة المدنية بمواجهة تهمة الفلول وشعار مَن يحرّر يقرّر

السوريون يستعيدون شوارعهم .. هل يتحقق حلم الاحتكام لصندوق الانتخابات؟

فتح تجمع الشباب المدني في “دمشق” باباً واسعاً من الجدل حول هوية المشاركين فيه ومواقفهم السابقة والهدف من رفع شعارات الدولة المدنية في هذا التوقيت.

سناك سوري _ محمد العمر

حيث أثيرت موجة واسعة من الانتقادات والهجوم ضد التجمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عمل المشاركون فيها على استعادة منشورات سابقة لبعض الحاضرين في التجمع أو المطالبين بدولة “علمانية” لإثبات أنهم “موالون سابقون” وكانوا يدعمون النظام السابق.

صورة نمطية لمهاجمة دعاة الدولة المدنية

شعبوية هذا الطرح سرعان ما خلقت صورة نمطية تعميمية تقول أن كل مشارك في التجمع وكل من يدعو لدولة علمانية، هو “فلول النظام، ثورة مضادة، شبّيح، ملحد” وغيرها من الصفات. وفي أحسن الأحوال تم اتهام دعاة العلمانية بأنهم يحرقون المراحل ويتغافلون عن الأولويات مثل الأمن والوضع المعيشي والخدمات وبالتالي “هلأ مو وقتها”.

وتظهر متابعة التعليقات عبر فايسبوك وحتى عبر بعض وسائل الإعلام التي تبنّت خطاب كراهية وتحريض ضد دعاة “الدولة المدنية/العلمانية”. أن هناك تيار يدعو لإقامة “دولة إسلامية”، وتيّار يرفع شعار “من يحرِّر يقرِّر” أي أن “هيئة تحرير الشام” التي تصدّرت مشهد إسقاط النظام يجب أن تتفرّد في القرار بحسب أنصار هذا الرأي.

تجمع الشباب المدني في اللاذقية _ سناك سوري

آخرون -وربما من باب المزاودة- اعتبروا أن وجود “موالين سابقين” في مثل هذه التحركات يدلّ على وجود “فلول للنظام” تعمل على تقويض المرحلة الانتقالية وإثارة البلبلة خلال فترة الأشهر الثلاثة التي تولّت فيها حكومة “محمد البشير” إدارة البلاد مؤقتاً. كما اعتبروا أن الوقت غير مناسب لمثل هذه الدعوات بوجود عوائل لا تزال حتى الآن تجهل مصير أبنائها المختفين قسراً وعائلات لا زالت في حالة حزنٍ على أبنائها الذين خسرتهم سواءً في الحرب أو المعتقلات. لكن أصحاب هذا الرأي أنفسهم لم ينتقدوا التجمعات الاحتفالية في الساحات المركزية للمدن كونها لم ترفع شعارات مطلبية واكتفت بالاحتفال بإسقاط النظام.

مفارقة الدعوة للانكفاء عن الشارع

لقد خلق المشهد الحالي مفارقة غريبة، فمن يتذكر بدايات الثورة عام 2011 يعرف جيداً قدرَ الجهود التي كان يبذلها المتظاهرون لدعوة الناس لمشاركتهم ولتحشيد الأنصار للنزول إلى الشارع ورفع صوت مطالبهم عالياً. بينما بات بعضهم اليوم يدعو الناس للانكفاء عن الشارع بذريعة ضرورة الهدوء وعدم التشويش على “الإدارة الجديدة” في هذه المرحلة.

المسألة هنا تحتاج عودةً إلى الماضي ليتذكّر من نسي أن المنخرطين في الثورة منذ بدايتها وحتى سقوط النظام، اتفقوا على عنوان عريض واحد فقط هو “إسقاط النظام”. وربما لا يجمعهم شيء سواه. فمنهم من حلم بإقامة دولة مدنية وآخرون تطلّعوا لحكم ديني، وأسباب الثورة على النظام عند أهالي “السويداء” تختلف عمّا هي عليه عند أهالي “إدلب” مثلاً. ومعارضة النظام والثورة عليه ضمّت شرائح من كل الطوائف والقوميات والإثنيات والطبقات الاجتماعية والآراء ما يجعل من الطبيعي اختلاف وجهات النظر حول مستقبل البلاد ما بعد إسقاطه.

لا يحتاج الأمر إلى تخوين من نزل إلى الشارع اليوم وكيل الاتهامات بحقه حتى لو صحّ وجود فئة من “الموالين السابقين”. إذ يستحيل إجراء كشف حساب لكل مشارك في التجمعات لمعرفة تاريخ مواقفه والتحقق منه، فالشارع اليوم يتّسع للجميع وهو المتنفّس الأساسي لشعب عانى الضيق أكثر من 60 عاماً وبدأ يشعر بالحيوية والحرية والحق في المشاركة وإبداء الرأي بعد هذه العقود.

اللافت أن المسؤول عن “إدارة العمليات العسكرية” “أحمد الشرع” أعلن موقفاً أكثر تقدّماً من كثيرين من أصحاب الرؤوس الحامية عبر وسائل التواصل. حيث قال في حديث لصحيفة الشرق الأوسط”  «النصر الذي تحقق ليس نصراً لفئة على أخرى، وإنما هو نصر لجميع السوريين. حتى من كنا نعتقدهم موالين للنظام السابق شهدنا فرحتهم لأنه لم يكن متاحاً للناس التصريح بما تشعر به أو تفكر به».

الاحتكام للصندوق

في نهاية المطاف، وإن اكتمل المسار الانتقالي كما هو مخطّط له فإن الاحتكام سيكون لصندوق الانتخابات من أجل التصويت على الدستور أولاً ثمّ انتخاب برلمان ورئيس للجمهورية. وحتى هذه اللحظة يعتبر “الشرع” و”الهيئة” الأوفر حظاً في حصد الأصوات في أي انتخابات محتملة. فعلى الرغم من وجود معارضين له فإنهم لا يملكون كياناً موحّداً أو مرشّحاً جديّاً للمواجهة الانتخابية وكلّ ما يجمعهم هو “معارضة الشرع” أو معارضة المشروع الإسلامي فحسب.

لا تزال الصورة ضبابية حول المرحلة المقبلة، ومن المبكر التنبؤ بما هو قادم. لكن المبشّر أن الشارع السوري استعاد ملكية قراره ورأيه وبات يعبّر دون خوف أو قمع، والأمل أن يكون التعبير عن اختلاف الآراء والأفكار مستقبلاً عبر السياسة والنقاش وطيّ صفحة العنف والإقصاء وإلغاء الآخر إلى الأبد.

 

زر الذهاب إلى الأعلى