دراسة: بناء البيئة الآمنة في سوريا يحتاج مؤسسات شفافة ومشاركة للنساء والشباب
جلسات حوار شبابية في 8 محافظات .. أولويات متباينة في المناطق السورية
أصدرت منظمة اليوم التالي دراسة نوعية جديدة بعنوان “المنظور المحلياتي للبيئة الآمنة والمحايدة في سوريا بعد سقوط الأسد”، اعتمدت منهجاً تشاركياً جمع بين جلسات حوار شبابية وورشات قادة مجتمعيين في ثماني محافظات سورية، شارك فيها 239 شاباً وشابة وقائداً مجتمعياً. ووفق الدراسة، فقد هدفت الجلسات إلى وصف تصورات المشاركين لمفهوم البيئة الآمنة والمحايدة ومتطلباتها، استناداً إلى تجاربهم المباشرة بعد سقوط النظام.
سناك سوري _ دمشق
وتشير الدراسة إلى أنّ السنوات الماضية شهدت “جملة من المعطيات الأمنية والإدارية عززت عوامل الانقسام وساهمت في تزايد عدد الثنائيات التي تشظي المجتمع”، بينما مثّل سقوط النظام في 8 كانون الأول 2024 لحظة انتقالية أعادت طرح سؤال الأمان والحياد على مستوى البلاد.
وتؤكد الجلسات أنّ البيئة الآمنة وفق منظور المشاركين تتجاوز غياب العنف، وتشمل عناصر مثل “الاستقرار النفسي” و”حرية التعبير” و”التفاعل في الحياة العامة” و”صيانة كرامة المواطن” و”المساواة” و”التوازن ما بين المحلي والوطني”. وترصد الدراسة تأثر تصورات كل محافظة بسياقها الأمني والاجتماعي، وتقدم نماذج من هذه التمايزات.
ففي حلب، شدد المشاركون على أن “الأمان النفسي والاجتماعي يتطلب إعادة بناء النسيج الاجتماعي بعد سنوات من النزوح والتدمير”. وفي إدلب، برز مفهوم الحرية والمشاركة باعتبارهما أساس البيئة الآمنة، إذ عبّر المشاركون عن أن “البيئة الآمنة هي المكان الذي أستطيع فيه التعبير عن أفكاري بحرية دون خوف من الانتقام”.
وفي حماة، شدّد الشباب على أنّه “إذ لم يكن هناك تعليم، صحة، أو عمل، لا يمكننا الحديث عن أي بيئة آمنة”. بينما رأى مشاركو درعا أن “يجب تمكين المجتمع من اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم اليومية”. وفي حمص، أبرز المشاركون أن “العدالة والمساواة في الخدمات هي الأساس لإعادة الثقة بين المواطنين والدولة المحلية”.
أما في الساحل، فقد عبّر المشاركون عن أن “التهجير لم ينته، ولخلق بيئة آمنة، يجب دمج جميع الفئات”، في حين أكد المشاركون في دمشق أنه “بدون شفافية في اتخاذ القرار ومحاسبة الفاسدين، لن يشعر المواطن بالأمان”.
أزمة التمثيل السياسي في سوريا خلال المرحلة الانتقالية “الفجوة التمثيلية للنساء والشباب”
وتعرض الدراسة خمس حزم من المتطلبات المشتركة للبيئة الآمنة، تبدأ بمتطلبات الأمن وسيادة القانون، حيث شدد المشاركون على ضرورة “ضبط السلاح وإعادة تعريف السلطة المحلية”، وربط الأمن بالحريات المدنية. كما طرحوا الحاجة إلى محاكم محلية مستقلة ولجان فض نزاعات بوصفها “حزام أمان اجتماعي”.
وتشدد الدراسة على أن الخدمات الأساسية تشكّل محوراً مركزياً لبناء الثقة، وأن إعادة الإعمار الخدمي “ليس مجرد عملية هندسية، بل هو مشروع مصالحة مجتمعية”. كما أكدت جلسات عدة على ضرورة دمج النازحين في صنع السياسات، وتوفير برامج لحماية الفتيات.
وتبرز الدراسة المتطلبات الاقتصادية بوصفها عاملاً حاسماً، حيث رأى المشاركون ضرورة “تشغيل الشباب وإحياء الصناعات الصغيرة” والتأكيد على أن غياب البدائل الاقتصادية سيؤدي إلى “إعادة إنتاج اقتصاد الحرب”. كما شددت الجلسات على أولوية جبر الضرر، معتبرة أن “أي مصالحة دون محاسبة تفقد الشباب ثقتهم بالعملية السياسية”.
وتخلص الدراسة إلى أن بناء البيئة الآمنة والمحايدة يتطلب مؤسسات محلية شفافة، وخدمات عادلة، ومشاركة قوية للشباب والنساء، بما يعالج مخاوف الأمن والنزوح والاقتصاد والحوكمة، ويرتكز على رؤية مجتمعية واضحة لمرحلة ما بعد النزاع في سورية.


