خلف هذا الباب سكان ينتظرون زوارهم
متى يأتون وهل سيأتون؟
سناك سوري – نجيب الشوفي
تقصدت المرور وبشكل متكرر وراء ذلك الجدار – الذي يفصل بين المكتبات القديمة والشارع المؤدي لساحة الحجاز – في كل مرة مررت فيها بالقرب من محطة الحجاز وسط العاصمة دمشق حتى أقضي رحلة مميزة من قراءة عناوين الكتب التي اهترأت ولم يقتنيها أحد.
كانت رحلة يومية تأخذني من مكان نزولي من الميكروباص في منطقة “الفحامة” مروراً بسوق “الحلبوني” ونهايةً بـ “جسر فكتوريا” الذي تفترشه بسطات الكتب، لقد شكلت هذه المحطات طريقاً دائماً لي باتجاه مكان عملي خلال 3 سنوات متتالية من الذهاب والعودة سيراً على الأقدام إلى حي “الطلياني” بدمشق.
لقد كان والدي يروي لنا ونحن في سن صغيرة قصصه مع الكتب الكثيرة التي اشتراها هو وعمي من هنا وهناك وعن تجديدهم للمكتبة لمرات ومرات خوفاً على الكتب وليس لمظهرها غير الجذاب مع كل تجديد لها وكيف قاما بصنع الختم الذي يطبع بحبر سائل على الصفحات الخمس الأولى من كل كتاب لديهما “مكتبة نور الدين وسلمان”.
قال لي والدي السنة الماضية خلال تنظيفنا للكتب والمكتبة في المنزل:«لقد كانت الكتب تستنفذ مخيلتنا تعيد انتاجنا ولكن اليوم غابت الكتب وحضرت مواقع التواصل الاجتماعي».
اقرأ أيضاً: داريا: عندما تصبح مدينتك عبارة عن صور وفيديوهات على الفيسبوك
وأضاف: «كنا نتبارز في قراءة كتب أكثر وفي كتابة ملخصات أو دراسات عنها وفي حال أفضل نقيم ندوات صغيرة فيما بيننا نشرح الكتب لبعض الأصدقاء الذين لا يتسع لهم الوقت لقراءتها، لكنكم اليوم فقدتم الكثير من هذا الحس أنتم مفرغون من الفكر، القليل منكم فقط يملك ذلك الوعي والثقافة التي لا أدعي أنا وأبناء جيلي أننا نمتلكها لكننا حاولنا وقرأنا».
لقد أثر والدي وعمي بي وجعلوني أهتم بالقراءة والكتاب كي أحفظه بعيداً عن التلف، لكنني رغم ذلك لم أذكر أنه أمرنا أو حتى نصحنا بقراءة كتاب معين فكنت أسئله قبل 10 أعوام من الآن عندما بدأت القراءة ببداية مراهقتي «أبي هل تنصحني بهذا الكتاب؟» فكان رده المعتاد «لا أريد أن أفسد عليك متعة اكتشاف جودته من عدمها جماله من قبحه اكتشف بنفسك».
يروي لي والدي قصة 50 عاماً من جمع الكتب والمطالعة من استعارته للكتب من مكتبة الحزب القريب من منزله عام 1968 مروراً بشراء الكتب من مكتبات “النوري” و”دار دمشق” في الطريق المؤدي من الحجاز إلى جسر فكتوريا ومكتبة “نوبل” – المعروفة باسم مكتبة ميسلون نسبة للشارع الذي تقع فيه – بحي “الصالحية” بدمشق وذلك بعد توفير ثمن الكتاب لأسبوع كامل وربما لشهر أو الدخول في جمعيات شبابية لشراء كتاب باهظ الثمن ونهاية بحال أفضل بالسفر إلى “لبنان” لشراء الكتب من دور “الحقيقة” و “الطليعة” و”المعرفة” بأسعار مخفضة عما هي في دمشق.
تنهد والدي وأمسك أحد الكتب القديمة الذي عمل على تغليفها بقالب جلدي مميز ليعتني بصفحاتها الصفر القديمة ونظر ألي بحزن «بدأت أخاف على هذه الكتب وعلى هذا الموروث، لم يعد لهذه الأشياء قيمة في هذه الأيام، فربما لو سافرت كغيري من الأصدقاء لأصبحت كتبي على أحد بسطات الكتب في أحسن الأحوال أو ربما على عرباية عرانيس».
خلف الباب في الصورة أعلاه يوجد آلاف الكتب التي تسكن المكتبة الظاهرية أقدم مكاتب العاصمة دمشق، هذه الكتب كغيرها من مكتبات دمشق تنتظر زوراها متى يأتون إليها وهل سيأتون؟!!.
اقرأ أيضاً: “سوق شارع لوبية” في العام الخامس على إغلاقه داخل “عاصمة الشتات”