خطوبة وسط الفوضى.. ساعة فرح مسروقة من بين الأخبار العاجلة
في سوريا.. الفرح "حالة فردية" أيضاً!

لم يكن في الأمر بطولة ولا نزعة مغامرة، كل ما هنالك أنّي تلقيت دعوة لحضور مناسبة اجتماعية، وقررت أن أكون “شجاعة” بما يكفي لألبس فستاناً جديداً، وأخرج من بيتي دون مخاوفي من أن يدوّن اسمي في سجل المخطوفات أو الحالات الفردية.
سناك سوري _ مدعوة إلى الفرح
في سوريا بوقت تضج فيه أخبار الدم والقتل والخطف والانتقام والاستثمارات الضخمة والأحلام الوردية، ومفارقات لا يمكن وصفها بالمتوازنة، كان الطريق إلى قاعة الخطوبة بمثابة امتحان لقدرة القلب على التعايش مع أخبار متلاحقة، حرائق في سهل الغاب، مجازر في السويداء، وذكريات أصدقاء من الساحل لا يزالون يكتبون عن ليالٍ بلا نوم ولا أمان، وأصدقاء آخرين مازالوا ينتظرون خروجهم من المخيمات إلى منازلهم بعد إعمارها ومع ذلك، قلت لنفسي: “لن أخسر هذه الأمسية”.
الضحك على مقعد الطوارئ
وصلت، جلست، ابتسمت، ورقصت قليلاً، لكن في العمق كنت أجلس على مقعد طوارئ معنوي، عين على العروس والمعازيم وأجواء الاحتفال، وأخرى تلتقط أخبار من الموبايل، وبينهما تصدح في أذني أصوات الناس المرتفعة في سهل الغاب عند إخماد النيران.
ولكن القلب يحاول أن يرقص وحيداً، في لحظة سرقة للفرح قبل أن يواصل البكاء سراً وأحياناً بشكل علني، وهنا جاء المشهد الكوميدي الغير متوقع، حين قرر “الدي جي” أن يرفع الأجواء فبثّ عبر مكبرات الصوت تسجيلًا للرئيس المخلوع يقول فيه: «لماذا نجتمع لنشرب المرطبات»، انفجرت القاعة بالضحك، ليس لأن المزحة مضحكة فقط، بل لأن السوري لم يعد يملك ترف أن يفرق بين الفكاهة والمهزلة، لأخاطب نفسي سراً “الأسد سقط… لكن الخوف ما زال جالساً بيننا”.
خطوبة تحت خط التناقض
في الخارج، عقول وأجواء تغلي، الحرائق كانت تأكل غابات قرى سهل الغاب، ومجازر فتكت بأهل السويداء، وأصدقاء الساحل يعيشون ذكريات الدم والخوف، بينما دمشق تشهد توقيع اتفاقيات واستثمارات بالمليارات ومطارات وفرص عمل موعودة.
أما في الداخل، تُصفق الأيدي كأننا نكابر على المصير، الفرح هنا لم يكن جماعياً بقدر ما كان فردياً، كل شخص يحاول أن ينحت لحظة صغيرة تخصه وحده، وهنا تذكرت ما كتبه نيتشه: «علينا أن نحمل في داخلنا فوضى، لننجب نجمة راقصة» لكنها نجمة قصيرة العمر، تُضيء قليلاً ثم تنطفئ تاركةً خلفها سؤالاً صعباً هل نحتفل فعلاً، أم نمارس تمريناً جماعياً على إنكار الواقع أو ربما الهروب منه قليلاً؟
حياة على إيقاع المفارقة
انتهت المناسبة كما تنتهي معظم المناسبات عناق سريع، صور جماعية، وضحكات تُلتقط على عجل قبل العودة إلى البيوت.
عدت وأنا افكر أن السعادة في سوريا لم تعد شأناً عاماً، بل حالة فردية مؤقتة، أشبه باستراحة قصيرة وسط سباق طويل شعرت للحظة بالحرج من فرحي، وأنا أعرف أن آخرين في أماكن أخرى لا يملكون حتى رفاهية الخروج ولكن الإنجاز الأكبر أننا تمكنا من حضور خطوبة دون خبر عاجل في البلاد وهذا أمر يحتاج دبكة جماعية.