“خان شيخون” من زراعة الفستق إلى الهجوم الكيماوي إلى تقدم الجيش السوري أمس
السيطرة على خان شيخون تعني حصار نقطة المراقبة التركية… ودعوات لتسوية تجنب البلدة المعارك
سناك سوري _ دمشق
تقع مدينة “خان شيخون” على طريق “دمشق-حلب” الدولي، ورغم أنها تبعد 37 كم عن مدينة “حماة” إلا أنها تتبع إدارياً لمحافظة “إدلب” وتعتبر فاصلاً بين ريفَي “إدلب” الجنوبي و”حماة” الشمالي.
سهولٌ خضراء واسعة تحيط بالمدينة التي تقول الدراسات التاريخية إنّ السكن فيها يعود للعصر البيزنطي حيث أظهرت عمليات التنقيب في موقع “تل عار” وجود دير أثري يعود للقرن الخامس الميلادي.
ويتوسّط المدينة خانٌ أثري تعود تسميتها إليه فيما تتضارب المعلومات حول السبب، حيث تقول بعض الروايات أن صاحبه كان اسمه “الشيخ” أو “شيخون” فيما تقول روايات أخرى أن الخان بناه الأمير “شيخون العمري” في القرن الثامن الهجري.
في حين حوّل أحد وزراء السلطان “عبد الحميد الثاني” ويدعى “أبو الهدى الصيادي” الذي يعود أصله إلى المدينة حوّل الخان إلى جامع “التكية” وبنى قصراً بجانبه خلال العصر العثماني.
قبل اندلاع الأزمة السورية كانت “خان شيخون” مركزاً لتجارة السيارات والحبوب بينما اعتمدت في اقتصادها كسائر مناطق الريف السوري على الزراعة، حيث كانت أراضيها الزراعية تمتلأ بأشجار الزيتون وحقول القمح والبطاطا والقطن والشوندر على أن أكثر محاصيلها الزراعية تميزاً كان الفستق الحلبي بشكل أساسي.
خرج من “خان شيخون” العديد من الشخصيات البارزة في المجالات العلمية والسياسية والأدبية، حيث يشغل ابن “خان شيخون” اللواء “محمد خالد الرحمون” حالياً منصب وزير الداخلية السوري.
“خان شيخون” خلال الأزمة
بدأت أولى التجمعات الاحتجاجية في المدينة في نيسان 2011، ولم يتأخر العنف طويلاً على اقتحام استقرار “خان شيخون” وذلك حين استهدف مسلحون من فصائل المعارضة رتلاً للجيش السوري في أيار 2011.(مركز توثيق انتهاكات سوريا – تقرير صادر في كانون الأول 2012)
شهدت المدينة تصاعد أحداث العنف خلال السنوات الأولى للأزمة حيث بدأ انتشار السلاح وتشكيل فصائل جديدة للمعارضة المسلحة، حيث وصل عدد الفصائل في المدينة مع نهاية 2012 إلى 16 فصيلاً، فيما كانت حواجز الجيش السوري منتشرة في محيط المدينة.
إلا أن العمل العسكري الأضخم كان بين آذار و أيار 2014، حين شنّت فصائل معارضة إلى جانب “جبهة النصرة” و حركة “أحرار الشام” وغيرها هجوماً واسعاً على نقاط الجيش السوري في المنطقة، إلى أن انتهت المعارك التي استمرت نحو 3 أشهر بسيطرة الفصائل على المدينة بشكل كامل أواخر أيار 2014.
اقرأ أيضاً:سوريا تنفي اتهامات الامم المتحدة باستخدام السارين وتتهم لجنة التحقيق بـ”التسييس”
“الهجوم الكيماوي”
صباح يوم 4 نيسان 2017 أفادت مصادر محلية أن هجوماً بالأسلحة الكيماوية وقع في “خان شيخون” وخلّف عشرات الضحايا ومئات المصابين، سرعان ما انتشر الخبر في وسائل الإعلام المحلية والدولية بأن هجوماً بغاز الأعصاب “السارين” وقع في المدينة.
سارعت فصائل المعارضة إلى تحميل الحكومة السورية مسؤولية الهجوم حيث قالت إن طائرة حربية انطلقت من مطار “الشعيرات” العسكري محمّلة بغازات سامة قصفت المدينة.
في حين أن الحكومة السورية التي كانت قد أعلنت عن تدمير مخزونها الكيماوي في وقت سابق نفت مسؤوليتها عن القصف على لسان وزير الخارجية “وليد المعلم” الذي أكّد أن الجيش السوري لم ولن يستخدم مثل هذه الأسلحة.
أما وزارة الدفاع الروسية فقد أفادت حينها بأن الطيران السوري قصف مستودع ذخيرة للفصائل المتشددة تبيّن أنه يحوي أسلحة كيماوية ومواد سامّة ومعملاً لإنتاج قنابل الغاز السام.
فيما حمّلت “الولايات المتحدة” الحكومة السورية مسؤولية الهجوم وقصفت بعدها بـ3 أيام مطار الشعيرات العسكري بنحو 59 صاروخاً أطلقت بأوامر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، بينما قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها توصّلت إلى أن هجوم “خان شيخون” الكيماوي انطلق من مطار “الشعيرات” دون أن تقدّم أدلة واضحة على ذلك.
“خان شيخون” اليوم
وصلت المعارك أمس إلى مشارف “خان شيخون” بعد أشهر من المواجهات التي اندلعت عقب نهاية مؤتمر أستانة 12 عندما شنت جبهة النصرة والفصائل المتحالفة معها هجومين متزامنين على حلب وريف حماة، وأدى الهجوم إلى ارتفاع حدة التصعيد بينما لم تنجح جميع المحاولات في إعادة الهدوء والاستقرار.
آخر تهدئة أعلنت بالتزامن مع مؤتمر أستانة 13، حيث قالت دمشق إنها تلتزم بهدنة واشترطت تطبيق اتفاق “سوتشي” الذي يقضي بسحب السلاح الثقيل من المنطقة بين حماة وإدلب مسافة 20 كم، إلا أن زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني” خرج في اليوم التالي لختام أستانة 13 ليعلن أن تنظيمه غير معني بالهدنة وأن المعارك ستعود بعد العيد.
بالفعل عادت المعارك وأعلنت دمشق فشل الهدنة، وقد أسفرت هذه المعارك عن عدد كبير من الضحايا في إدلب وحلب وريف حماة، إضافة لموجة نزوح خصوصاً في المناطق المحاذية لريف حماة من جهة “إدلب”، ناهيكم عن حجم الدمار.
بعد إعلان الحكومة السورية فشل الهدنة تقدم الجيش السوري عسكرياً على الأرض بشكل ملحوظ أمام تراجع جبهة النصرة والفصائل المتحالفة معها، ليسيطر على مناطق واسعة مثل “الهبيط، سكيك” تل سكيك، تل مرعي… إلخ”.
في هذه الأثناء أشارت مصادر محلية من معرة النعمان القريبة من خان شيخون إن وجهاء من المعرة تواصلوا مع مركز المصالحة السوري الروسي معلنين أنهم يرغبون بتسليم المدينة دون قتال عند وصول الجيش إليها.
وبينما تشير المصادر إلى إعلان وجهاء المعرة محاولتهم تجنيب المدينة للمعارك، تستمر هذه المعارك على جبهة خان شيخون التي أصبح الجيش السوري على مشارفها بظل تقدم متسارع يحققه، حيث تقول المصادر الميدانية أن القوات الحكومية سيطرت على “معمل الملح” و”حاجز السلام” على المدخل الغربي للمدينة وهو آخر الحواجز التي خسرها الجيش السوري في هجمات 2014، ويبدو أنه ماضٍ في استعادة “خان شيخون” بنفس الطريقة التي استخدمت للسيطرة عليها ضده “المعارك”.
في هذه الأثناء ارتفعت بعض الأصوات المدنية تطالب بحل يجنب المدينة المعارك ويحفظ حياة سكانها ومنازلهم، داعين لإيجاد تسوية تخرج النصرة والفصائل المتحالفة معها من “خان شيخون” وتدخل البلدة ضمن اتفاقيات التسوية لتنجو بأقل الخسائر.
حصار النقطة التركية
من جانب آخر ومع تصاعد التوقعات بإعلان الجيش السوري بسط سيطرته على المدينة في وقت قريب جداً فإنه سيفرض بذلك طوقاً على عدة قرى وبلدات هامة جنوبي المدينة مثل “كفرزيتا” و “لطمين” و “اللطامنة” لا زال مقاتلو “النصرة” داخلها، أما البلدة الأهم التي ستقع ضمن الدائرة المحاصرة فهي “مورك” التي تتمركز فيها نقطة المراقبة التركية الأمر الذي سيكون واحداً من أهم تداعيات سيطرة الجيش السوري على “خان شيخون” المتوقعة.