حين هددت أبي: أعطيني الدعم الحكومي – داليا عبدالكريم
كيف تعاملتم مع الشرخ بين مفاهيم المدرسة والتربية وبين مفاهيم الحياة والتجارب؟
سناك سوري-داليا عبدالكريم
«بدي حصتي يلي عطتني ياها الدولة من راتبك، هي مو بتعطي للولد الأول مبلغ شهري، هاتوا لعيش فيه لحالي»، كانت العبارة التي لطالما هددت فيها أبي عند كل مصيبة، تبتدعها ابنته المراهقة الحالمة بالاستقلالية آنذاك، حضرتي.
حضرتي آنذاك، كانت تمتلك ثقة عمياء بالتربية التي تلقتها في المدرسة، الشرطة في خدمة الشعب، الحكومة في خدمة المواطن، والعروبة سبيلنا إلى الحياة، والوحدة مصير لا خيار، ومن جملة هذي المعتقدات، كان يقيني أن الدعم الذي تمنحني إياه الحكومة كطفلة بكر، يكفيني لآكل وأشرب وأستأجر منزلاً حتى.
رويداً رويداً، كان كل شيء يخبو، ففي امتحانات الشهادة الإعدادية، تحرش بي أحد الشباب أمام المدرسة التي سأقدم فيها امتحاني، ذهبت بكل ثقة إلى الشرطي لأشكوه، وأخبرته أني أريد أن أرفع عليه دعوى، ضحك مني، قال تكرمي وناداه، وأنا الحالمة كنت بانتظار رؤية الكلبشات في يديه متأثرة بمشاهد كلبشات بدري أبو كلبشة، لكن ما جرى مختلف، فقد جلسا سوياً يمجان تبغهما، وأنا أدرت ظهري لممثل القانون والمتحرش ومضيت نحو امتحاني مكسورة.
مضت الأيام وفي كل مرحلة أخسر فيها شيئاً من إيماني بالقيم التي تلقيتها في المدرسة والمنزل، شرخ كبير بين ما تقدمه لك المدرسة، وما تعلمك إياه الحياة، يجعلك تدرك كم أنت إنسان مخدوع، يمثلون عليك دون رحمة، ووحدها التجارب التي اعتقدت أنها ستهلكك تكون المُنجي من شرور أكبر قد تعيشها لاحقاً.
اقرأ أيضاً: “خليل” الذي غرس سكيناً عميقاً في قلبي.. سيكبر يوماً – داليا عبد الكريم
حين أخبرني أبي بأن قيمة الدعم الذي تمنحني إياه الحكومة 200 ليرة، اعتقدت أنه يسخر مني وكان عمري حينها لا يتجاوز الـ14 عاماً، ما دفعني للبحث والتحري حتى حصلت على الحقيقة من مصدر محايد، فأوقفت نغمة هات قيمة دعمي، وانتقلت لنغمة هات ورثتي لأشتغل فيها وطالع مصروفي.
تلك النزعة المبكرة إلى الاستقلالية لا أعلم من أين حصلت عليها، ولماذا أمضيت مراهقتي لاهثة ورائها، دون أن أستمتع بتفاصيل العشق مع ابن الجيران، أو صديق مقعد الدراسة أسوة بصديقاتي اللواتي طالما حسدتهنّ على تلك العلاقات الجميلة.
أفكر اليوم، أن أعود لنغمتي القديمة، وأطالب الحكومة بحصتي من الدعم والبلاد التي تصادف أني ولدت فيها وعن سبق الإصرار أحببتها، في الحقيقة أخاف كثيراً من النتيجة، هل ما تزال حصتي من الدعم الحكومي 200 ليرة؟، أم أنها انخفضت قليلاً؟!، في الحقيقة بت أخاف أن تنتهي حقبة الدعم قبل أن أحصل على حقوقي فيه!.
اقرأ أيضاً: هنا سورية.. ابتسم وعيش اللحظة!