الرئيسية

حين لا نعرف من العيد سوى “البرغل بحمص”!

ابنة السابعة وجدت نفسها وجهاً لوجه أمام العيد الذي يصنعون فيه المعمول لأول مرة!

سناك سوري-رحاب تامر

المعمول وارتداء الملابس الجديدة والظهور بكامل الأناقة دون “مشوار” بعيد، لم يكن حدثاً عادياً لطفلة لم تعرف من العيد سوى “البرغل واللحم”.

بدأ الأمر في تسعينيات القرن الماضي حين كنت في الثامنة أو السابعة من عمري، غادرت قريتي في ريف “جبلة” إلى قرية والدتي في ريف “حمص” للاحتفال بالعيد في منزل بيت جدي، وكانت المرة الأولى التي أقابل فيها العيد وجهاً لوجه، تفاجأت بالأطفال وهم يرتدون ثيابهم الجديدة وينتشرون على الطرقات بينما قام أحدهم بنصب “مرجوحة” اصطف عليها الأطفال بالدور.

مقالات ذات صلة

دخلنا بيت جدي وبدأ الترحاب، بصراحة لم يشدني الأمر كان فضولي يدفعني للخارج، أريد أن أعلم ماذا يجري، ولماذا كل هذا الاحتفال، لم أحتمل أكثر، تركت أمي وغادرت، بصراحة لم يكن الاندماج والاختلاط مع الكبار والصغار أمراً صعباً علي، بعد حوالي الخمس دقائق كنت قد حظيت بالكثير من الأصدقاء بمساعدة أولاد خالاتي وأخوالي.

سألتهم لماذا يرتدون ثيابهم الجديدة ويظهرون بكامل أناقتهم وهم داخل قريتهم بالقرب من منازلهم، قالوا لي إنه العيد، “يالحماقتهم” قلت في نفسي، وأردف صوتي الداخلي يحدثني أن ثيابهم الجديدة ستتسخ بعد قليل جراء العيد، بعد ذلك كان لابدّ من الدخول إلى بيت خالي لمعايدتهم، كان هناك صحن المعمول وضيافة العيد، مجدداً سال فضولي في رأسي، وسألتهم عن سبب تواجد هذه الضيافة دون مناسبة، فقالوا لي إنه العيد، هنا انتفضت قائلة: “ليش بالعيد الواحد بياكل برغل بحمّص ولا بياكل حلو ومعمول”.

أذكر أن الجميع انفجر ضاحكاً، وبعد ذلك بعدة سنوات فهمت أن العيد في قريتي مختلف الطقوس، وأدركت كم يُظلم أطفال قريتي الذين لم يعلموا أن العيد مختلف عما شاهدوه أو خبروه، أدركت أن ثقافة الحياة في قرانا الساحلية مختلفة، الأمر ليس دينياً كما تظنون، إنما البيئة والظروف هما من فرضا طقوساً مختلفة غاب عنها “المعمول” والمراجيح وحتى الثياب الجديدة، لأكتشف فيما بعد أن أهالي الساحل غالباً مايكونون مشغولون بعمل الأرض وهم لا يملكون الوقت الكافي لتبديده على مظاهر الحياة والفرح، ربما تبدو هذه الثقافة مجحفة بحق الأطفال لكنهم كانوا مقتنعين بها حتى الأمس القريب، حيث تبدلت الأمور قليلاً، وأصبح جيلنا يريد أن يمنح لأطفاله كل الأمور التي حُرم منها سابقاً.

ومهما تكن معضلة العيد السابقة بين المعمول والبرغل بحمص، فإن هناك اليوم من لا يعرفون أي من العيدين، أو طقوسهما، جيل كامل لا يعرف من الحياة سوى الشارع والحرب والفقر وعدم الاهتمام، ذلك الجيل ربما سينجب جيلاً مشابهاً حين يكبر، فهل ينقرض العيد يوماً؟.

اقرأ أيضاً: المعمول المحروق للعيلة والظريف للضيوف.. بعض من نهفات العيد عند السوريين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى