حين كانت أكبر معاركنا: حلاوة الجبن حمصية أم حموية؟
عن أيام كنا نختلف فيها على الفلافل واللهجات.. لا على الهويات والانتماءات

في مرحلة ما، لم يكن الخلاف بين السوريين خطيراً، كان يمكن أن يمتد لساعات حول منشأ طبق شعبي، أو حول لهجة بعينها، أو حتى حول من صنع أفضل فلافل في الحي.
سناك سوري-حنين المعارك القديمة
كنا نختلف، نعم، لكن خلافاتنا لم تكن تهدد أحداً، ولم تخرج جاراً من بيته، أو تجعل صديقاً يشعر بأنه مهدد لأنه “من منطقة أخرى”.
في طرطوس واللاذقية مثلاً، لم يكن الغزل المتبادل يخلو من المناكفة، الحرب الأزلية بين أهل شمال وأهل جنوب، كانت تتجدد عند كل لقاء بين صديقين تقريباً، لم تكن النُّكت المتبادلة دائماً بريئة، لكنّها لم تكن سامة.
كان هناك نوع من التعصب المناطقي نعم، لكنه لم يكن قاتلاً، كان أقرب إلى محاولة كل مدينة إثبات أنها الأكثر بهجة، والأكثر طعماً، والأكثر “أناقة” في عين أبنائها.
في الحديث عن الحنين للمعارك القديمة، لا يمكن تجاهل معارك الدمشقيين “من جوا أو من برا السور” ولا معارك حمص وحماة حول أصل حلاوة الجبن، معركة باردة متكررة، الحماصنة يؤكدون أن ما يباع في أسواق حماة نسخة مطورة عن وصفة حمصية أصلية.
والحموية يردون بثقة: “نحن من صنعها، وغيرنا فقط قلدها”.
حتى هذه التفاصيل الصغيرة، كانت تشكل ملمحاً من بلادنا القديمة، الاختلاف بدون كراهية، النقاش بلا اتهام والفخر بالأصل لكن من دون إقصاء الآخر!
الخلاف بين مشجعي تشرين وحطين، وبين الريالية والبرشلونية، حتى ذلك الذي كان يتطور في أرض الملعب دون روح رياضية، كان فيه شيء من الضحك والسخرية والشغف بالحياة!
اليوم كل شيء تغير، لم نعد نختلف حول الطعام واللهجة والفريق الريضي، صرنا نختلف حول الهوية والانتماء والدين والموقف السياسي.
بدأت معاركنا تخرج من صفحات الفيسبوك إلى الشارع، ولم نعد نكمل نقاشاً بنكتة أو فنجان قهوة، صرنا ننهيه بالقطيعة، وأحياناً برصاصة!
من طرطوس؟ إذن تُحسب على جهة ما، من إدلب؟ إذن تنتمي لمعسكر معين، من الحسكة؟ من حلب؟ من دوما؟ كل منطقة، لها الآن عبء سياسي.
“إيش يعني سوري؟”.. ربما من لا يرى في الآخر تهديداً، ولا في الاختلاف خصومة، من يؤمن أن البلد أكبر من اسمه، وأوسع من مدينته، وأعمق من طائفته، من يُدرك أن السلام ليس ضعفاً، وأن الذاكرة يجب أن تكون طريقاً للنجاة، لا للانتقام.