حين ارتدت “سندريلا” السورية جزمة البلاستيك
الجزمات البلاستيكية ماركات عالمية بمئات الألوف من الليرات السورية.. لكنها لن تكون أهم من جزمة طفل سوري يصنع المستقبل!
سناك سوري – عفراء بهلولي
أعادتني تلك الصورة التي ظهرت فيها مجموعة من الأطفال في إحدى القرى يرتدون جزماً بلاستيكية، نحو 27 عاماً إلى الوراء، وانتابني حنين مفاجئ لتلك الرائحة المميزة التي كانت تفوح من جزمتي البلاستيكية البيضاء المزينة بالورود الزهرية حين أحضرها لي والدي قبل أكثر من عشرين عاماً، كنت أنظر إليها بشغف كبير بينما كانت في ركن ما تنتظر قدميّ الصغيرتين حينها.
كان ذلك منذ زمن بعيد، حين غمرني فرحٌ طفولي بهطول المطر الغزير كما اعتاد الساحل السوري، وذلك لأنني سأرتدي الجزمة الجديدة أخيراً، تلك الجزمة التي كانت حذاءً رسمياً لأطفال قريتي بأشكالها ومواصفاتها المتشابهة، الفرحة الغامرة سرعان ما اكتملت حين امتلأت الطرقات بين المنزل والمدرسة بالجور الموحلة التي تتجمع فيها المياه، والتي كان يحلو لنا كأطفال القفز داخلها، فيما كان بعض الأطفال يختبرون عمق الجورة قبل مغامرة القفز وكان آخرون يحفظون مواقع الجور وعمقها أكثر من دروسهم.
جزمتي البلاستيكية منحتني شعوراً غامراً بالأمان كنت سعيدة بها أكثر من سعادة “سندريلا” بإيجاد فردة حزائها وأميرها معاً، أقفز في جورة مياه دون خوف من تسرب البلل إلى قدميّ، إضافة إلى أنها كانت رفيقة وفية على مدار العام الدراسي وكانت عملية أكثر من الحقيبة وصدرية المدرسة، فلم يكن نعلها ينفصل ولم تكن تتعرض للثقوب كأحذية الجلد والقماش، بل كانت جديرة بأن تمنح جائزة أفضل منتج مخصص للمعتّرين السوريين.
كان ذلك منذ زمن بعيد، قبل أن يخبرونا بأن الضرب ممنوع في المدارس، قرر مدير المدرسة معاقبة بضع طلاب بضربهم على أقدامهم، حينها كنت أنظر بإعجاب لجزمة زرقاء يرتديها أحدهم إلا أنه بكى كثيراً قبل أن يخلعها عنه، فيما كنتُ ألحظها تنساب بسهولة من قدمه، حينها ظهرت جواربه المثقوبة أمام الجميع ما أثار ضحك الطلاب الآخرين عليه، اكتشفتُ لاحقاً أنه لم يكن يبكي خشية الضرب بل خوفاً من الكشف عن فقره المخبّأ داخل جزمة زرقاء.
اقرأ أيضاً: حين أصبح “الفقر” رجلاً لجأ إلى ألمانيا!
أشعر الآن بتأنيب الضمير تجاه الجزمة البلاستيكية!، ألوم نفسي لأني حين كبرتُ بدأت أتنكّر لها، لأني وبطريقة ما تعلّمتُ أنها لأطفال الفقراء فقط، في محيط اجتماعي ينظر إلى الطفل الفقير بعين الشفقة، تنكّرتُ لتلك الجزمة التي منحتني لحظات طفولية سعيدة، شعوراً بالأمان والقفز في المياه دون خوف من غضب أمي أو الإصابة بنزلة برد لأن تلك الجزمة كانت تحتضن أقدامي بحنان وتمنحهما أماناً وديعاً.
مؤخراً اشترت صديقتي جزمة بلاستيكية، كانت تشعر بسعادة عارمة كونَها تمكّنت من الحصول على جزمة آخر موضة! بينما استعدتُ ذكرياتي الطفولية مع الجزمة والفقر والمطر والمدرسة ولم أستطع تحديد موقفي تجاه موضة الجزمة البلاستيك!، لكنني حين قررت البحث عن آخر أخبار الجزمة البلاستيكية أوصلني العم “غوغل” إلى مواقع الماركات العالمية والمتاجر الكبرى حول العالم التي تعرض واجهاتها أنماط مختلفة من جزمات البلاستيك ويصل سعرها إلى مئات الألوف من الليرات السورية المعتّرة مثلنا.
حينها فكّرت بأولئك الأطفال السوريين الذين يرتدون جزمات البلاستيك وتمنّيت أن أخبرهم ألّا يشعروا بالعار من جزمتهم، ولا يخجلوا من دلالتها على فقرهم، أن يثقوا دائماً بأن دفء أقدامهم أهم من خداع المظهر الخارجي للأحذية، أن يتذكّروا واجهات المتاجر العالمية التي تعرض جزمات البلاستيك ويتأكّدوا أن جزمةً صنعت من أجل الموضة لن تكون أهم من جزمة طفل سوري يصنع المستقبل.
اقرأ أيضاً: “لبنان” كما “سوريا”.. يضم الكثير من السوريين الفقراء!