حكايتي مع الحادث الذي أدخلني غيبوبة لـ3 أسابيع-ناجي سعيد
بعد الحادث صرت ألحظ سلوك الناس اللفظي…
سناك سوري-ناجي سعيد
إن التجربة الأليمة التي مررت بها، علّمتني كثيرًا. والتجربة هي حادث السير الذي تعرّضتُ له منذ أربع سنوات. فالضربة كانت في رأسي، ولم أكن أعلم أن الغيبوبة التي دامت ثلاثة أسابيع، تحتاج “وعيًا مُزيّفًا”، لأتعلّم “التطنيش” عن أخطاء الآخرين، لكنّ الغيبوبة تحتاج وعيًا حقيقيًّا عند الآخرين، ليتوقّفوا عن ارتكاب الأخطاء الجسيمة، الذين يعتقدونها صوابًا يسيرون في ركبه.
وقد استفقت تمامًا على مواضيع كنت أناقشها قبل الحادث. حكمًا مُسبقًا كنت أفترضه، بأن كُلّ من يناقشني بموضوع اللاعنف، سينهي حديثنا بجملة، بينه وبين نفسه: “شو هالحكي الفاضي اللي بلا طعمة”!! وقد يستغرب البعض ذكري لموضوع الحادث، وهل له علاقة بما أكتب؟ قد يكون ذلك مصادفة، وهي متعلّقة بتعامل الناس مع الشخص حين يعلمون بتعرّضه لحادثٍ ما.
بعد الحادث، تضاعفت مسيرة النضج عندي. فصرتُ ألحظ سلوك الناس اللفظي، عند تواصلي مع الآخرين، قسريًّا كان أم لا. وأكثر جملة بديهيّة يردّدها الناس: “حرام الله يشفيه من الحادث”، وهذه تُشكّل اطمئنانهم لوسادة النهاية بالجملة المعهودة بقرارة قلبهم! وليس هذا تجنّيًا على أحد، فقد كوّنت فكرة عن انطباع الناس عن أثر الحادث عليّ، من خلال زيارة البعض لي بعد الغيبوبة، فقلّما توجّه الزائر لمخاطبتي مباشرة إلاّ لسؤالي: كيفك؟ أمّا باقي الحديث، فمع زوجتي أو أمّي أو أختي..: كيف صار الحادث؟ وبيقدر يمشي لحاله؟ ومتذكّرنا؟؟ والمشكلة الكبيرة، حين التقينا أنا وزوجتي بإحدى الجارات، وسألتها وهي ملتفته نحوي: عِرِفني؟؟ وما علاقة اللاعنف بهذه المقدّمة؟.
حين فكّرت بالكتابة عن نظرة الأديان للّاعنف، تذكّرت حديثي مع المَعَارف وكيفيّة تعاطيهم مع موضوع اللاعنف، فالباب الذي يساعدهم على الهروب من الواقع هو إلقاء اللوم على الآخر، وهذا مُعتقد مع سبق الإصرار والترصّد. ولوم الآخر، هي طريقة هروب تؤكّد للمُتكلّم عدم فهم المُستمع للموضوع، فتكون بطّارية سمّاعة أٌذن “بو نايف” هي الحلّ. لأن لوم الأٌذُن أفضل من لوم الآخر وافتراض عدم فهمه.
اقرأ أيضاً: الوساطة في اللاعنف… خيار ماقبل القضاء والمحاكم – ناجي سعيد
ما عرضته هو عيّنة من تفكير الناس، والتفكير هنا ليس إلاّ استجابة الخلايا الدماغيّة بشكل آلي، فتبدو الخلايا نَشِطة، ولكن تُكرّر عملها بدون إتمام وظيفة التفكير. هذا التجربة تُظهر تعاطي جزء كبير من الناس مع العديد من المواضيع، فكيف الحال بتعاطي الناس مع الأديان؟ إنّ هذا التعاطي مرتهن للموروث العائلي المجتمعي الجَمعي. فقد قرأت كتابًا مُلفتًا (الذاكرة الجمعيّة) يحكي عن أثر الذاكرة الجمعيّة بتكوين معرفة آنيّة مُستندة إلى ذاكرة مشتركة بين أشخاص عاشوا المكان نفسه، ولو تباعدوا زمنيًّا.
وهكذا نستنتج بأن إدراك الناس لمفهوم اللاعنف وعلاقته بالأديان مُتوارث. وقد شاءت الأقدار، أن تكون ديانة غاندي الهندوسيّة ترتكز على مبادئ وقيم إنسانيّة. فالصلاة عند الهندوس، تُقرّب الناس إلى بعضها البعض، من خلال تواصلهم مع الله. وهكذا باقي الديانات. لا تدعو متتبعيها إلى الصلاة للخالق بمعزل عن رؤية الناس والشعور والتضامن معهم. اللاعنف، هو الرابط بين البشر جميعًا، فحين قالوا في المثل الشعبي: الدمّ ما بيصير ميّ. لم يرمزوا إلى الانتقام والثأر!! لا بل أشاروا إلى أن الدمّ هو رابط البشريّة ذات الطبيعة الخيّرة.
ورسالة الله للبشرية في أسطورة “قابيل وهابيل” كانت بِزرعِه مفهوم “الغيرة” داخل نفس أحد الإثنين، ليقتل أخاه، فتعرف البشرية بأن الغيرة مفهوم سلبي يؤدّي إلى العنف. عرفت البشرية الأديان من خلال قصص تاريخيّة، يعتقدها البعض أساطير، وآخرون يرونها مُنزلة مُقدّسة. وما يعنيني في كلامي عن اللاعنف، أن يتمّ تحييده عن المنحَيين. فاللاعنف، ليس أسطورةً، ولا يمتّ لقداسة الدين بِصلة. اللاعنف نمط حياة، أو فلسفة قد تضع معتنقيها في غيمة ليعيشوا بها. ولكنّ لا تخلو الحياة من تجارب نضالية حياتيّة لإرساء فضيلة اللاعنف في مجتمعنا الآيل للسقوط.
اقرأ أيضاً: الله يحاسب الجميع – ناجي سعيد