حكاية الطفل “عبد الله” الذي نجا من البرد ليقتله الدفء
هرب من الموت ليلاقي الموت.. السوريون رحلة وجع ما تزال تنتظر رحمة القدر
سناك سوري-آزاد عيسى
لم يكن أهل الطفل “عبد الله النموس” يدرون أن المدفأة التي حصلوا عليها “معونةً” لترد برد الشتاء عن طفلهم سترد عنه الروح ليلاقي حتفه بسببها.
ابن العامين لم يهنأ في سرير الطفولة فشرد عن مدينته دير الزور وهرب إلى مخيم “مبروكة” ببلدة رأس العين بريف الحسكة لعله يجد مكاناً آمناً لنعومة جسده، لكن استنشاقه للغاز المتسرب من مدفأة الكاز ضمن خيمته القاسية خطف روحه إلى السماء، وترك دموع الأسرة هدّارة على برعم لم يجد من الحياة إلا الألم والوجع ومن ثم غازات الموت.
بعد أن مرّت أسابيع طويلة على فصل الشتاء وزمهرير البرد، خاصة في تلك المنطقة فهي في العراء والبرودة مضاعفة خاصة في الليل، قدّمت إحدى المنظمات خلال الأسبوع الماضي مدافئ تعمل على مادة الكاز لجميع سكان المخيم، صحيح أنها ساهمت بتخفيف نسمات البرد قليلاً، لكنها عززت أمراض بعض الأشخاص خاصة الذين يعانون أمراضاً صدرية، والأطفال، فبالإضافة إلى فقدان “عبد الله الناموس” حياته فقد الحياة ثلاثة أطفال آخرين وسيدة كبيرة في السن نهاية الشهر الماضي بسبب البرد وسوء التغذية.
اقرأ أيضاً: القنيطرة مخيم الرحمة بلا رحمة
“أم عمر” نازحة إلى المخيم من مدينة دير الزور تحدّثت لـ “سناك” عن الحال فيه بلهجتها الديرية: «الفرق بين هون والدير، إنو بالمخيم عنا مكان ننام فيه، ياريت عندي بس مكان أنام فيه بمدينتي كنت هلا رجعت، الحياة صعبة وما تنطاق، إذا بدنا نتحمم نسخن المي بالبرية على الحجر، ونجي نطالع الكل من الخيمة ليستنوا برا حتى يتحمم الواحد منا، الكهربا ما نشوفها، المي متوفرة بس تبع الخزانات، ونشربها ومجبورين مابي غيرها».
يقيم في المخيم أكثر من عشرة آلاف شخص من مدن دير الزور والرقة وبعضهم من العراق، جميعهم يعانون من قلة الخدمات وانعدام عمل المنظمات الكثيرة من حيث العدد والمعدومة من حيث تقديم الخدمة لدرجة وصل بها الأهالي إلى وصف مخيمهم بـ “الجحيم”، يروي “عدنان سليمان” واقع المخيم لـ “سناك سوري”بلغة يملأها القهر: «يا عمي شو هالعيشة، والله عيشة ….!؟، بس ايش نعمل، من كم يوم لما مطرت الدنيا، وتعبت الخيم مطر متنا ألف موتة، ولسا يقولو ليش تموت البشر والأطفال، كل هالمنظمات عم تتاجر فينا وجاية لتصور وتوثق على حساب هالخلق يلي هربت من الموت للموت».
اقرأ أيضاً: سوريون في لبنان يبيتون ضمن “هنغار لتربية الأبقار” بعد أن طردوا من مخيماتهم
الواقع في المخيم يدفع الناس للتفكير بالهرب منه، نعم الهرب لأنه أشبه بالسجن، لكن «المعتر يبقى معتراً»، هكذا يقول “خلدون” خلال حديثه مع “سناك سوري”، ويضيف: «تعرضنا لعشرات عمليات النصب والاحتيال خلال محاولات الهرب، هناك مجموعات مختصة تنصب على النازحين حيث تدخل المخيم وتدور على الناس وتتفق معهم على مبالغ كبيرة من أجل تهريبهم حيث تصل تكلفة تهريب العائلة الصغيرة إلى 200 ألف، والتهريب لايعني النهاية فأنت فقط تهرب إلى مطار القامشلي وهناك عليك أن تدفع ثمن التذكرة وتنزح إلى دمشق أو غيرها من المحافظات السورية، لكن في كثير من الأحيان يكون المهرب “نصاب” يسرق المبلغ ولا ينفذ العملية، إلا أن الناس يدفعون إذا توفر المبلغ معهم فهم فقط يريدون الخروج من الجحيم».
يذكر أن مخيمات محافظة الحسكة بما فيها مخيم “مبروكة” تشرف عليه الإدارة الذاتية، ولا يسمح للمقيمين فيه بالمغادرة إلى مدن وبلدات محافظة الحسكة إلا بعد الحصول على كفيل، والأهالي لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم في ديرالزور والرقة وريف الحسكة لأن الظروف ليست مهيأة بعد.
اقرأ أيضاً: خطر الأوبئة يهدد حياة السوريين في المخيمات