“حرشو البرازي” .. قاتل الرئيس السوري الذي لم يندم!
وصفتهُ قناة “الدنيا” بأنه أبضاي “حماة” في الأيام الخوالي!
سناك سوري _ محمد العمر
رُزِقَ “أحمد باكير البرازي” عام 1920 بطفل أسماهُ “حرشو” وهي كلمة كردية بمعنى الدب الذي كان يعتبره أهل الشمال أقوى الوحوش فتوسّمَ فيه والده صفات القوة.
نشأ “حرشو” بين “البرازية” من أولاد عمه في “حماة”، وكانت عائلته ثرية وكبيرة وذات نفوذ وتسلّمَ اثنان من أبنائها منصب رئاسة الحكومة السورية وهما “حسني البرازي” عام 1942 و “محسن البرازي” عام 1949.
وأمضى “حرشو” طفولته في كنف العائلة كثيرة الرجال في عوالم ركوب الخيل وصيد الطيور والزراعة، ولم يكن يدرك أنه سيستثمر موهبته في الرماية لاحقاً لغايات ليس لها علاقة بالصيد.
كانت “سوريا” في أواخر الأربعينيات قد بدأت تعيش سلسلة الانقلابات العسكرية، حيث لم تكن مدة الحكم تطول برئيس حتى ينبري إليه آخر وينقلب عليه، وبحلول 30 آذار 1949، نفّذ “حسني الزعيم” أول انقلاب ضد الرئيس “شكري القوتلي” وأصبح رئيساً للجمهورية.
آنذاك لم يكن “حرشو” قريباً من عالم السياسة والسلطة لكنه عرفَ أن ابن عمه “محسن البرازي” أصبح رئيساً للوزراء، دون أن يعرف أن وصول قريبه إلى السلطة سيغيّر حياته، حيث لم تدم فترة حكم “الزعيم” حتى آب 1949 عندما انقلب عليه اللواء “سامي الحناوي”.
إلا أن انقلاب “الحناوي” كان دامياً إذ سارع لإعدام “الزعيم” و رئيس حكومته “محسن البرازي” رمياً بالرصاص، ويروي “حرشو” في مقابلة تلفزيونية مع قناة “الجزيرة” عام 2004 أن “خالد” ابن “محسن البرازي” كان شاهداً على عملية إعدام والده أمام عينيه وكان حينها في الخامسة عشر من عمره.
ويضيف “حرشو” أن “خالد” روى له أن الضباط الذين شاركوا في الانقلاب ونفذوا الإعدام رفضوا السماح له بتلقّي الكلمات الأخيرة من أبيه قبل أن يطلقوا رصاصهم عليه، ويشير “حرشو” إلى أن العائلة سرعان ما اتخذت قرارها بالثأر لـ”محسن”.
وبالفعل فإن “الحناوي” أيضاً لم تطُل مدة بقائه في السلطة قبل أن ينقلب عليه “أديب الشيشكلي” ويودعه السجن إلا أنه لم يحاكمه على ما حدث خلال انقلابه لاسيما إعدام “الزعيم” و “البرازي”، ويشير “حرشو” إلى أنه حاول التواصل مع “الشيشكلي” ليتيح له مجال الوصول إلى “الحناوي” في سجنه بهدف قتله إلا أن “الشيشكلي” لم يقبل بذلك.
اقرأ أيضاً:سوريا…ذكرى انقلاب الرئيس الذي انقلب على نفسه
ويذكر “حرشو” أن “الحناوي” أصبح محمياً في سجنه قبل أن يطلق “الشيشكلي” سراحه بعدها بأشهر ليقوم بالسفر إلى “لبنان”، ويحاول “حرشو” وعائلته استثمار الفرصة للانتقام منه والثأر لـ”محسن”.
في لقائه التلفزيوني يروي “حرشو” تفاصيل توجهه مع عدة شبان من عائلة “البرازي” إلى “بيروت” ورحلة البحث عن “الحناوي” و رفاقه المشاركين في الانقلاب، مثل “نذير فنصة” و “عصام مريود” الذي روى “خالد” أنه شارك شخصياً بإعدام والده.
استثمر “حرشو” نفوذه ومعارفه في “لبنان” للبحث عن “الحناوي” ومراقبته، وفشلت محاولات شباب “البرازي” في اغتياله أكثر من مرة، ورغم أن “حرشو” لم يكن هو الذي اختارته العائلة للتنفيذ فإنه يروي أنه رأى مناماً يقول له ستقتله إن حملت سلاحك معك وارتديت بدلتك البنية فنفّذ ما جاء في رؤياه وذهب لرصد منزل “الحناوي” في شارع “محمد الحوت” في “بيروت” صباح 30 تشرين الأول 1950.
نجح “حرشو” في رصد “الحناوي” ينزل من منزله ومعه فتاة وأحد الضباط من رفاقه وشرطي من الأمن العام اللبناني، فتجرّأ متقدّماً نحوه وناداه “سامي” فالتفت “الحناوي” وعرف على الفور أن “حرشو” الذي يحمل السلاح أمامه جاء لقتله فقال له “دخيلك” ليجيبه “حرشو” “ماعاد تنفعك” ويطلق عليه 3 رصاصات فارق على إثرها الحياة على الفور بينما فرَّ “حرشو” هارباً وفق روايته.
سرعان ما ألقي القبض على “حرشو” في “بيروت” والحكم عليه بالإعدام، إلا أن المحكمة عادت لتخفيف الحكم إلى 16 عاماً، ويروي “حرشو” أنه قام خلال سجنه بمقابلة مع الصحفي المصري “محمد حسنين هيكل” أوصاه خلالها أن يخبر الملك “فاروق الأول” أن “محسن البرازي” قُتِل لأجل “مصر” وهو انتقم له، في إشارة منه إلى علاقات “محسن البرازي” و”الزعيم” مع “مصر” و”السعودية”.
يقول “حرشو” أنه خرج من السجن بعد سنتين و8 أشهر بعفوٍ من الرئيس اللبناني “كميل شمعون” دون أن يوضّح ما إذا كان العفو قد جاء بوساطة مصرية أو سعودية وخلال اللقاء التلفزيوني لم يبدِ “حرشو” ندمه على اغتيال “الحناوي” مؤكداً أنه فعل ذلك لأجل الثأر لابن عمه فقط، حيث قال أنه لم يكن يعرف “الحناوي” ولم يقابله ولو كان قد قتل شخصاً غير ابن عمه لم يكن ليغتاله، ما أظهر دوافع الثأر وقناعة “حرشو” بصحة ما فعله قبل عقود قائلاً أنه كان أداة مرسلة من الله لقتل “الحناوي” بسبب قتله لـ”البرازي”.
اللافت أن قناة “الدنيا” المحلية استضافت “حرشو“ عام 2011 في برنامج “قبل أن ننسى” وأطلقت عليه لقب “أحد أبضايات وزكرتية حماة في الأيام الخوالي” حيث كرّر خلال اللقاء تفاصيل اغتياله لـ”الحناوي” التي ذكرها قبلها بسنوات في اللقاء مع “الجزيرة” الأمر الذي أثار رد فعلِ الكاتب السوري الراحل “شمس الدين العجلاني” فانتقد الترويج للثأرية خلال مقاله في موقع “الأزمنة” ليرد عليه المحامي “معتز البرازي” بقوله أن اللقاء لم يكن لاستعراض البطولات والتفاخر إنما لأخذ العبرة مما جرى والتعلم من دروس الماضي.
عاد “حرشو” لاحقاً إلى حياته الطبيعية ليمضي سنواته متنقّلاً بين “الولايات المتحدة” و”سوريا” حتى وفاته في 23 كانون الأول 2015، ورغم أن “حرشو” لم يحاسَب على فِعلته فإن “الحناوي” في المقابل لم يُقاضى على إعدام “الزعيم” و “البرازي”، فهل يساهم غياب العدالة القضائية بالعودة إلى القوانين القبَلية وعادات الثأر؟.
اقرأ أيضاً:“فوزي الغزّي” أبو الدستور السوري