“حبيب كحالة” رائد الصحافة الساخرة في “سوريا” “المضحك المبكي”
كتب “كحالة” : إذا غضبوا حين نقول الحقيقة فليشربوا من البحر
سناك سوري _ محمد العمر
يكاد يستحيل ذكر اسم “حبيب كحالة” دون ذكر مجلته الرائدة “المضحك المبكي” رغم انقضاء أكثر من نصف قرنٍ على إغلاقها.
حيث فتح “كحالة” عبر مجلته الباب أمام السخرية والكاريكاتير لتدخل في الصحافة السورية وكان رائداً في تناول المواضيع السياسية والشؤون المحلية بأسلوب النقد الساخر.
ورغم أن “كحالة” درس في الجامعة الأمريكية في “بيروت” التجارة والاقتصاد ونال درجة الدبلوم فيها عام 1918، إلا أنه لم يتجه إلى العمل بما يناسب تخصصه الدراسي، بل خاض في مجال الصحافة واستمرّ فيه عقوداً من الزمن انتهت بنهاية حياته.
يقول الكاتب “حسين العودات” في كتاب “رواية اسمها سوريا” عن “كحالة” أنه أسس عام 1918 جريدة “سوريا الجديدة” وكانت ثالث جريدة سورية في ظل الحكم العربي بعد نهاية الاحتلال العثماني، لكنه واجه لاحقاً قمع الانتداب الفرنسي الذي أغلق له الجريدة عام 1926 بسبب موقفها المؤيد للثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين.
وبحلول العام 1929 أسس “كحالة” مجلته الأشهر والأطول عمراً بين تجاربه واختار لها اسم “المضحك المبكي”ليعبّر عن محتواها ويلمّح إلى توجهها الساخر ، وفي التعريف عن المجلة في عددها الأول كتب “كحالة” «إننا نعاهد القارئ أن تكون المجلة صريحة صادقة ولو أغضبت البعض، ولا نجعل موقفنا موقف الأحنف الذي كان يسمع مدح الشعراء لـ”يزيد بن معاوية” وهو ساكت فلمّا سأله “يزيد” : ما بك ساكت يا أبا بحر؟ قال إنني أخاف الله إن كذبت وأخافك إن صدقت! فنحن سنسعى إلى أن نخاف الله في صراحتنا وأما عبيد الله فإذا غضبوا من الحقيقة فليشربوا من البحر»
حافظ “كحالة” على عهده للقراء بصدق النقد ونزاهته لكنه دفع ثمن ذلك باهظاً في مختلف المراحل لدرجة أن مدة تعطيل المجلة اختيارياً وإجبارياً بلغت 11 عاماً من أصل 37 من عمر تجربتها.
اقرأ أيضاً:“جلال فاروق الشريف” مؤسس “البعث” الذي عاد “نصيراً”
لكن “كحالة” كان يتلاعب على قرارات سلطات الانتداب لمنعه من الكتابة والنشر بتوقيف مجلته حيث استعار عام 1932 اسم مجلة “ماشي الحال” لإصدار أعداد “المضحك المبكي” الموقوفة بقرار الانتداب.
عايش مؤسس سوريا الجديدة لحظة جلاء الانتداب الفرنسي وبداية تشكّل الدولة الوطنية أواخر الأربعينيات، ولعبت شعبيته وشهرة اسمه وإعجاب الناس بجرأته وسخريته في وصوله عام 1947 إلى مجلس الشعب ممثلاً عن “الحزب الوطني” في “دمشق” حتى سنوات الانقلابات العسكرية المتتالية ابتداءً من 1949 والتي ساهمت في التأثير على مجلته وإقفالها بين كل انقلاب وآخر لكن “كحالة” اتخذ عام 1956 قراراً بإغلاق المجلة اختيارياً واستمر على ذلك مدة 6 سنوات.
حين عاد “كحالة” إلى إصدار مجلته عام 1962 فسّر قراره بأنه حينها لم يستطِع أن يكتب ما يريد ولا يقبل أن يُحمَل على كتابة ما لا يريده لذلك قرر الاعتزال المؤقت مستشهداً بمقولة “أوسكار وايلد” أن العبد الحقيقي هو الذي لا يستطيع أن يعبّر عن رأيه بحريّة.
مع وصول حزب “البعث” إلى السلطة عام 1963 واصل “كحالة” إصدار مجلته “المضحك المبكي” رغم قرار مجلس قيادة الثورة حينها تعليق الصحف، وتقول بعض المصادر أن مردَّ ذلك إلى موقف “كحالة” الداعم لجريدة “البعث” عام 1961 حين عارض قراراً بمنعها من الصدور.
وكتب “كحالة” عدة كتب أبرزها “كشكول المضحك المبكي” و”قصة خاطئة” و “مذكرات نائب”.
يوم 22 كانون الأول 1965 غادر “كحالة” الحياة تاركاً “المضحك المبكي” لابنه “سمير” الذي اشتغل بالصحافة والرسم الكاريكاتيري على خطى والده، لكن اسم “حبيب كحالة” لم يغادر تاريخ الصحافة السورية كواحد من الرواد الذين أتقنوا إدخال السخرية والنقد المباشر في خطابهم الصحفي وحافظوا على مصداقيتهم أمام قرّائهم، وتصف ابنة أخته الأديبة “كوليت خوري” أسلوبه بأنه كان يفرّج عن هموم الناس باللاذع من نكاته، والساخر من آرائه وكان يسكب أمرّ الأحداث السياسية في القوالب الهزلية.
يذكر أن “المضحك المبكي” أغلقت بقرار من وزير الإعلام حينها “جميل شيا” بعد أشهر من رحيل “كحالة” حيث ينقل “العودات” عن “سمير كحالة” أنه تعرّض للاعتقال لمدة شهر وأوقفت المجلة بعدها رسمياً في 30 أيار 1965.
اقرأ أيضاً:البومة المتمردة .. “غادة السمان” كاتبة الاعتراف والتعرية