
قُتل شاب وفتاة في ريف محافظة درعا الغربي، وبحسب صفحات محلية قام ذوو الفتاة بإطلاق النار عليهما، بذريعة “الشرف”، ووفق المعلومات التي نشرتها منصة “درعا 24″، جرى دفن الفتاة مباشرة بعد مقتلها، من دون الإعلان عن الحادثة أو فتح بيت عزاء.
سناك سوري-درعا
وتفتح هذه الواقعة مجدداً ملف جرائم القتل التي تنفذ خارج الأطر القانونية، وتبرر باتهامات أخلاقية من دون أي مسار قضائي أو تحقيق رسمي، وسط تساؤلات متكررة حول آليات المحاسبة، ودور الجهات المعنية في التعامل مع هذا النوع من الجرائم.
توصيف هذه الحوادث ضمن ما يسمى “جريمة شرف”، يضفي على القتل طابعاً تبريرياً، ويخرجه من سياقه الحقيقي بوصفه جريمة قتل وعنفاً قائماً على النوع الاجتماعي، فـ”الشرف” هنا لا يشكّل توصيفاً قانونياً، بل يستخدم كذريعة اجتماعية تمنح الجناة غطاءً أخلاقياً، وتحوّل الضحية من شخص له حق الحياة إلى موضع اتهام، من دون أي إجراءات تحقيق أو إثبات.
وفي هذا السياق، لا تعامل مثل هذه الجرائم في بعض الأحيان كقضايا عامة تستوجب المساءلة، بل كـ”شأن عائلي” يحسم خارج القضاء، ما يكرّس نمطاً متكرراً من الإفلات من العقاب، ويعيد إنتاج العنف ضد النساء بوصفه ممارسة مقبولة أو مفهومة اجتماعياً، لا جريمة يعاقب عليها القانون.
توصيف هذه الحوادث ضمن ما يسمى “جريمة شرف”، يضفي على القتل طابعاً تبريرياً، ويخرجه من سياقه الحقيقي بوصفه جريمة قتل وعنفاً قائماً على النوع الاجتماعي
ماذا يقول القانون؟
على الرغم من إلغاء نص المادة 548 من قانون العقوبات السوري رقم 148 لعام 1949 بموجب القانون رقم 2 لعام 2020، لا تزال جرائم القتل المرتكبة بذريعة ما يعرف بـ”الشرف” أو “غسل العار” تتكرّر، في ظل استمرار ثقافة تبرير العنف ضد النساء، وضعف أدوات الردع القانونية والقضائية.
إذ كانت المادة الملغاة تعفي القاتل من العقوبة في حال مفاجأته زوجته أو إحدى قريباته في ما سمّي «حالة الزنا المشهود»، قبل أن تُعدَّل لاحقاً لتمنح عذراً مخففاً بدلاً من الإعفاء الكامل، ثم يُلغى النص نهائياً، وقد أسهم تطبيق هذه المادة لعقود في ترسيخ مناخ يسمح بالإفلات من العقاب في جرائم العنف ضد النساء.
وبما أن القوانين السورية لا تزال نافذة استناداً إلى المادة 51 من الإعلان الدستوري الصادر في آذار/مارس 2025، فإن الجرائم المشار إليها في هذا السياق تصنف قانونياً إما كجرائم قتل “عمداً” إذا ارتُكبت بناء على تخطيط وتفكير مسبقين، أو “قصداً” إذا وقع فعل القتل وليد اللحظة، وذلك وفق المواد من 533 حتى 535 من قانون العقوبات السوري.
وتنص الفقرة الثالثة من المادة 535 صراحة على أن القتل العمد المرتكب بحق أحد الأصول أو الفروع يُعاقب عليه بالإعدام، وهو ما يعكس إدراك المشرّع لجسامة هذا النوع من الجرائم وخطورته، ورغم معارضة منظمة «سوريون» لتطبيق عقوبة الإعدام باعتبارها انتهاكاً للحق في الحياة، إلا أن هذا النص القانوني يبرز خطورة هذه الأفعال، ويؤكد ضرورة إخضاع مرتكبيها لأقصى العقوبات القانونية المتاحة.
الجرائم المشار إليها في هذا السياق تصنف قانونياً إما كجرائم قتل “عمداً” إذا ارتُكبت بناء على تخطيط وتفكير مسبقين، أو “قصداً” إذا وقع فعل القتل وليد اللحظة، وذلك وفق المواد من 533 حتى 535 من قانون العقوبات السوري
في المقابل، لا يزال قانون العقوبات السوري يفتح منفذاً خطيراً لتخفيف العقوبة في مثل هذه الجرائم عبر المادة 192، التي تتيح منح عذر مخفف عند توافر ما يُعرف بـ«الدافع الشريف»، وقد عرّفت محكمة النقض هذا الدافع بأنه «عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه»، وهو تعريف يتسم بالغموض والاتساع، ويمنح هامشاً واسعاً للتقدير القضائي، بما يسمح عملياً بإضفاء شرعية ضمنية على أعمال العنف والانتقام المرتكبة باسم «الشرف»، وفق ما جاء في تقرير لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”.
وعلى الصعيد الدولي، تعد هذه الجرائم انتهاكاً صارخاً للحق في الحياة، كما ورد في المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كما تشكّل شكلاً من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي المحظور بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي تلزم الدول الأطراف، ومنها سوريا، باتخاذ تدابير تشريعية وعملية للقضاء على هذا العنف، وضمان تمتع المرأة بحقوقها على قدم المساواة مع الرجل.
كذلك، تتعارض هذه الجرائم مع إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة لعام 1993، الذي شدد على ضرورة حماية النساء من العنف، وضمان حقهن في الحياة والكرامة والمساواة.
جريم درعا مثال على الفجوة بين القانون والتطبيق
وفي ضوء هذا الإطار القانوني، تبرز حادثة مقتل الشاب والفتاة في ريف درعا الغربي مثالاً جديداً على الفجوة بين النصوص القانونية النافذة وتطبيقها على أرض الواقع، فعلى الرغم من تصنيف هذا النوع من الجرائم قانونياً كجرائم قتل تستوجب المساءلة، تُنفّذ مثل هذه الأفعال في كثير من الحالات خارج أي مسار قضائي، وتحسم اجتماعياً تحت ذريعة «الشرف»، بما يفرغ القوانين من مضمونها الرادع، ويحوّل القتل إلى ممارسة تُدار داخل الأسرة بعيداً عن سلطة القضاء.
وفي هذا السياق، تؤكد جهات حقوقية ضرورة التعامل مع جرائم القتل المرتكبة بذريعة ما يعرف بـ«الشرف» بوصفها جرائم قتل كاملة الأركان، تستوجب التحقيق والملاحقة القضائية دون أي اعتبارات اجتماعية أو أعذار مخففة. وتشدد هذه الجهات على أهمية فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في مثل هذه القضايا، وضمان عدم تسويتها خارج الإطار القانوني، بما يكفل حق الضحايا في العدالة، ويمنع الإفلات من العقاب.
كما تطالب بإعادة النظر في النصوص القانونية التي ما تزال تتيح تخفيف العقوبات تحت مسميات فضفاضة، مثل «الدافع الشريف»، لما تحمله من خطر تطبيع العنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى جانب تعزيز دور القضاء في إنفاذ القوانين القائمة، وتكريس مبدأ أن القتل جريمة عامة لا يمكن التعامل معها كشأن عائلي.
وتؤكد المطالب الحقوقية كذلك على ضرورة اتخاذ تدابير تشريعية ومؤسساتية تحمي النساء من العنف، وتضمن حقهن في الحياة والكرامة، بما يتوافق مع الالتزامات القانونية الوطنية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.








