في يومهنّ العالمي.. الأرامل معاناة صامتة وجهد مضاعف
سناك سوري- دمشق: لينا ديوب – طرطوس: نورس علي – درعا: هيثم علي
ساهمت الحرب والمعارك المستمرة منذ عام 2011 في “سوريا”، بزيادة نسبة النساء الأرامل، اللواتي فقدنّ أزواجهنّ خلالها، واضطررن ليقمنّ بدور الأب والأم سواء كان اجتماعياً أو مادياً ونفسياً، ونجحنّ بالتأقلم مع الواقع الجديد بالكثير من العمل، كذلك فإن هناك الكثير من الأرامل المعمرات اللواتي ورغم أن الحرب لم تكن سبباً في فقدانهنّ أزواجهنّ، إلا أنها كانت إحدى العقبات التي واجهت مسيرتهنّ في تأمين مستلزمات الأسرة، وبمناسبة اليوم العالمي للأرامل الذي يصادف اليوم الأربعاء، يوثق “سناك سوري”، بعض قصصهنّ.
“ثناء إسماعيل” من أبناء مدينة “جبلة” ومقيمة حالياً في “دمشق”، لم يكن أمامها بعد وفاة زوجها دون أن يترك لها ولأبنائها الثلاثة لا بيت ولا أي مصدر للمال، إلا الوقوف والتفكير بما عليها القيام به لرعاية أبنائها الصغار، لم تكن يومها تتجاوز الرابعة والثلاثين من عمرها، وابنها الصغير لم يبلغ الثالثة من عمره بعد، لتتجنب أي نظره استغلال أو استعطاف انتقلت مع أبنائها للعيش في بيت أهلها، ثم بدأت بدراسة الصف التاسع تمهيداً للحصول على شهادة البكالوريا، لأنها تدرك كما تقول لـ”سناك سوري” أن أي وظيفة ستتقدم لها سيطلبون الشهادات.
لم تنتظر الوظيفة الحكومية لأن عليها تأمين تكاليف معيشة ثلاثة أطفال من طبابة وتعليم وغذاء، فعملت في أحد منتجعات ريف “دمشق” الغربي واكتسبت خبرة في تحضير العصائر والحلويات، ثم عملت في محل اكسسوارات وعطورات، بعد ذلك بدأت بعمل خاص بها فكان لها تجربة مع كافتيريا لم تنجح، ثم عملت ببيع ألبسة البالة بشكل مستقل ونجحت وحتى اليوم مستمرة بعملها.
خلال عملها كانت “إسماعيل” على قلق دائم وألم على أطفالها، فقد كانت مجبرة على تركهم طوال النهار سعياً للرزق، مما جعلهم يعيشون حرماناً وقهراً في طفولتهم كما تقول لسناك سوري وتضيف: «اليوم بعد أن كبروا تفهموا ما كنت أكابده لتأمين معيشتنا نحن الأربعة، تخرجت ابنتي من كلية الصيدلة وعملت لفترة قبل زواجها، فيما يتابع ولداي دراستهما الجامعية مع أعمال مؤقتة»، مؤكدة أن تخوفها من موقف المجتمع تجاه النساء الوحيدات مطلقات وأرامل، جعلها تتسلح بالثقة والشجاعة في كل عمل تقوم به ولم تسمح لأي كان أن ينال منها ومن أبناءها.
ترك لها 9 أطفال ورحل
في قرية “بعمرائيل” بريف مدينة “بانياس” لم تستلم المرأة الريفية “صديقة العقيبي” التي فقدت زوجها بعمر الـ38 عاماً، لظروفها الصعبة وعملت جادة لتربية أبنائها معتمدة بذلك على عملها كمربية للأبقار والدجاج لتأمين المصروف اليومي.
تقول في حديثها مع سناك سوري:«بدأت العمل بتربية الماشية وهي الورثة الوحيدة التي تركها لي الزوج إضافة لحمل وعبء تربية أولادي الخمسة ومعهم أربعة أولاد من الزوجة الأولى التي كانت قد توفيت قبل زواجي»، وتضيف: «عملت ببيع الحليب حيث كنت إضافة لتربية الأبقار أشتري الحليب من نساء القرية وأبيعه على حسابي بربح بسيط لتأمين جزء من المصروف اليومي الكبير، إضافة لبيع البيض وماتنتجه الحاكورة المنزلية الصغيرة من خضار».
“العقيبي” التي فقدت زوجها وولدها خلال أسبوع واحد وبعدها ولدها الشاب خلال خدمته العسكرية، لم تجد لنفسها متسعاً من الوقت للاحتفاء بشبابها، ولم تعرف دلال السيدات أو حتى أحمر الشفاه أو المصاغ الذهبي، وما عرفته كان فقط الكفاح اليومي حتى أنها كانت تجمع الحطب من أحراش القرية وتبيعه بالكيلوغرام، تضيف: «كان حلمي تأمين كفاف يومي، وخاصة خلال مواسم الإنتاج الزراعي كقطاف الزيتون وقطاف البندورة، ورضيت دائماً بالقليل، ورغم ذلك أمارس حياتي اليومية كما بقية السيدات، فلدي صديقات أسهر معهن يومياً وأعود إلى منزلي بين الأحراش دون خوف».
لم تنتهِ رحلة كفاح السيدة الستينية اليوم، بزواج أبنائها، فظروف الحياة وصعوبتها في ظل الحرب حرّمت الغالبية من الراحة وبات لازماً العمل بشكل مضاعف، تضيف: «أعمل اليوم في تشكيل أطباق القش لأكفي نفسي وأؤمن بعض الفائض لزوم حاجاتهم، حيث أجمع القش من الطبيعة يومياً وأجلس وحيدة خلال ساعات النهار لصناعة الأطباق ومن ثم بيعها بسرعة نتيجة الطلب الكبير عليها».
اقرأ أيضاً: “خديجة” الأم التي لا تحتفل بعيدها
لا تأتي المصائب فرادى
«لا تأتي المصائب فرادى، ولا شيء يعوّض فقدان شريك الحياة»، بهذه العبارة بدأت “نجاح الرفاعي” من أبناء مدينة “درعا” حديثها لـ سناك سوري، مضيفة أنها خسرت زوجها خلال ظروف الحرب التي عاشتها المدينة، ووصفت الأمر بأنه من أصعب الأمور التي يمكن أن تمرّ بها امرأة ما خصوصاً بوجود الأطفال، «ما يضطرها إلى تخطي ذاتها، بغية إكمال الدرب، بأقل أضرار ممكنة».
تضيف: «أن تكوني أرملة في مجتمعنا الحوراني هو أمر صعب، فما بالك بأرملة ومريضة ومعيلة رئيسية لأبنائها وتقيم في مدينة لم تشبع من الموت، حكايتي مثل حكايا مئات النساء في “حوران” اللواتي بقين بلا معيل ينتظرن الفرج في مجتمع لم يعتد أن يشد على يد الأرملة ويقوي من عضدها».
بكلمات ترتجف وعيون دامعة، ويد تهتز مع كلماتها تتابع: «بدأت بالاستدانة من هنا وهناك ووضعت بسطة في الشارع لأبيع بعض الأشياء البسيطة مثل الاكسسوارات، كما عملت بقطاف الملوخية وحفر الكوسا وتقميع البامياء للنساء الراغبات بذلك في الحي، إلى أن تمكنت بفضل تبرع أحد الأشخاص من شراء دكانة صغيرة “براكية” أتابع فيها عمليات بيع الاكسسوارات والملابس علماً أن الكثير من التجار في المدينة قدموا لي المساعدة حيث كنت أستدين البضائع ثم أبيعها لأرد لهم دينهم كونهم على علم بوضعي».
تشتكي “الرفاعي” من نظرة المجتمع للمرأة الأرملة التي تبقى تحت رحمة الحسنة والعطف، إضافة لمعاناتها من كلام الناس عليها الذي يصل حد الطعن بالشرف في حال فكرت بالحديث مع رجل بعد وفاة زوجها، مؤكدة أنها حاولت الخروج من كل هذه الأمور والعمل ليل نهار لتربية أولادها الثلاثة وتعليمهم فالكبير بينهم أصبح طالباً في الجامعة يدرس إدارة الأعمال في “حلب”، والثاني في الصف الثالث الثانوي أما الصغير في الصف الثامن، موضحة أنها لم تحرمهم من أي دورات تعليمية او رياضية وغيرها حتى لا يشعروا بأنهم أقل من زملائهم مستغنية بذلك عن الكثير من حاجاتها كامرأة.
يذكر أن اليوم العالمي للأرامل تم توثيقه من قبل الأمم المتحدة ويتم الاحتفال به في 23 حزيران من كل عام وهو يوم عمل لمواجهة الفقر والظلم الذي يتعرض له الملايين من الأرامل وعائلاتهم في العديد من البلدان.
اقرأ أيضاً: عيد الأم لن يمر من هنا.. هنا سوريا!