توزيع مقاعد مجلس الشعب يزيد أزمة التمثيل عمقاً
كيف ستوزع حصة الرئيس على المحافظات؟

طالب السوريون والسوريات خلال سنوات طويلة بزيادة عدد أعضاء مجلس الشعب السوري ليتناسب مع النمو السكاني، حتى أن رئيس مجلس الشعب محمد جهاد اللحام خلال دورة 2012-2016 رد على هذه المطالب بأن مبنى مجلس الشعب لا يتسع لأي زيادة. وبينما كان ينتظر من المرحلة الانتقالية أن تعيد الاعتبار لهذه المطالب كانت المفاجأة بتخفيض عدد النواب بدل الزيادة.
سناك سوري – بلال سليطين
أعلنت اللجنة العليا للانتخابات أمس الثلاثاء عن توزيع مقاعد أعضاء مجلس الشعب على المحافظات واقتصر توزيعها على حصة اللجنة 140 عضواً فيما بقيت حصة رئيس الدولة خلال المرحلة الانتقالية “أحمد الشرع” وهي 70 مقعداً. أي أن إجمالي عدد أعضاء مجلس الشعب السوري هو 210 مقاعد وهو أقل بـ 40 نائباً من العدد المعتمد لنواب مجلس الشعب السوري منذ العام 1990.
اعتمدت اللجنة في توزيعها على ما قالت إنه قرار وزارة الإدارة المحلية رقم 1378 والذي يشير لتوزع السكان والوحدات الإدارية عام 2011 وقد حصل سناك سوري على نسخة منه. علماً أن آخر إحصائية رسمية قامت بها سوريا كانت عام 2004. وفارق عدد السكان 17,920,844 في آخر إحصائية رسمية عام 2004 وبين توزيع السكان الذي وزعت المقاعد وفقاً له 24,497,434 وقيل إنه يعود لعام 2011 يشكل زيادة +36.7% خلال 7 سنوات. أي معدل نمو سنوي 4.57% سنويًا بينما معدل النمو السنوي في سوريا بين 2000 و2005 هو 2-3%.وبالتالي نحن أمام نمو مرتفع جدًا لسكان دولة مستقرة ديموغرافيًا بين 2004 و2011، ويستلزم صافي زيادة بملايين لا يفسّرها النمو الطبيعي وحده.
وعلى سبيل المثال ارتفع عدد السكان في محافظة القنيطرة بين 2004 و2010 بحسب الأرقام التي تم اعتمادها من 66 ألف نسمة 2004 إلى 430 ألف عام 2011 اما إدلب فارتفعت من 1,258,427 إلى 2,072,266 بزيادة تصل لـ 800 ألف نسمة.
المحافظة | السكان 2004 | السكان 2011 | نسبة النمو |
---|---|---|---|
دمشق | 1552161 | 1780160 | 14.69% |
حلب | 4045166 | 5673224 | 40.25% |
ريف دمشق | 2273074 | 2006809 | -13.27% |
حمص | 1529402 | 2134092 | 39.54% |
حماة | 1384953 | 2113440 | 52.60% |
اللاذقية | 879551 | 1215905 | 38.24% |
إدلب | 1258427 | 2072266 | 64.67% |
الحسكة | 1275118 | 1756746 | 37.77% |
دير الزور | 1004747 | 1666647 | 65.88% |
طرطوس | 701395 | 938562 | 33.81% |
الرقة | 793514 | 1112202 | 40.16% |
درعا | 843478 | 1125593 | 33.45% |
السويداء | 313231 | 471493 | 50.53% |
القنيطرة | 66627 | 430295 | 545.83% |
المجموع | 17920844 | 24497434 | 36.70% |
وبحسب إحصائية 2004 مثلاً كان عدد نواب محافظة دمشق 29 نائباً ودائرة حلب المدينة 20 نائباً أما ريف حلب 32 وريف دمشق 19. بينما الحسكة 14 وحماة 22 وإدلب 18 واللاذقية 14. ومجموع أعضاء مجلس الشعب كان 250 كما أشرنا أعلاه بينما مجموع نواب المجلس الذي يتم تشكيله حاليا 210 نواب.
كيف وزع 140 مقعداً على المحافظات؟!
لم تعلن اللجنة العليا للانتخابات كيف وزعت المقاعد بشكل دقيق وعلى أي أساس قدّرت النواب بناء على عدد السكان الذي اعتمدته. فمثلاً قال البعض أن المعيار كل 100 ألف نسمة نائب إلا أن هذا المعيار مثلاً لا ينجح مع دمشق التي بهذه الحالة يجب أن يكون عدد نوابها 17.
بمراجعة الأرقام يمكن التأكيد أنه لا يوجد حصة محددة متطابقة لكل مجموعة من السكان، فمثلاً في حلب كل 177 ألف نسمة حصلوا على نائب بينما في طرطوس كل 187 ألف نسمة حصلوا على نائب في محافظات أخرى كالسويداء انخفض الرقم إلى 157 ألف وارتفع في درعا إلى 173 ألف. لكن بالعموم توزع الأرقام بين نائب لما بين كل 157 ألف و190 ألف نسمة.
وبالتالي نظراً لعدم توضيح اللجنة معاييرها في التوزيع فإننا نميل إلى أنها اعتمدت “طريقة هاملتون” في توزيع المقاعد، لأن النتيجة النهائية للمقاعد تُطابق تمامًا ما تنتجه هذه الطريقة عندما نُدخل الأرقام السكانية المعتمدة للمحافظات. ببساطة: تُحسَب الحصّة النظرية لكل محافظة وفق وزنها السكاني، ثم تُعطى كل محافظة العدد الصحيح الأقرب للأسفل، وبعدها تُمنَح المقاعد القليلة المتبقية للمحافظات التي كانت أقرب إلى مقعد إضافي (أي صاحبة “الكسر” الأكبر). عند تطبيق ذلك على أرقام السكان المستخدمة، كان مجموع الأجزاء الصحيحة 134 مقعدًا وبقي 6 مقاعد تم توزيعها على المحافظات ذات الكسور.
أين حصة رئيس الدولة؟
إعلان اللجنة المعنية بتشكيل مجلس الشعب توزيع مقاعد المجلس على المحافظات اقتصر على الثلثين، ويبقى ثلث الأعضاء وهي من حصة الرئيس “الشرع” الذي سيختار هؤلاء الأعضاء وبالتالي حتى الآن لم نصل للعدد النهائي الذي ستحظى به كل محافظة في المجلس.
كما لا يشير الإعلان بأي شكل من الأشكال لآلية اختيار الأعضاء من قبل الرئيس ولا ماهي المعايير التي يعتمدها في اختياره لهم أو توزيعهم على المحافظات. على الرغم من أن موعد التشكيل المفترض بين 15 و20 أيلول 2025.
إلا أن هناك اعتقاداً ليس مبنياً على معلومات حتى الآن أن يتم توزيع الأعضاء السبعين على المحافظات بالتساوي 5 لكل محافظة بما يحافظ على منهجية توزيع الاعضاء الذين اختارتهم اللجنة ولا يحدث خللاً في الشكل أو الهيكلية التي وصلت إليها على الرغم من الانتقادات الواسعة التي وصلت إليها.
دوائر تمثيلية واسعة.. تزعزع الشعور بالتمثيل
إن السبب الرئيسي للانتقادات هو تخفيض أعضاء مجلس الشعب بهذا الشكل وطريقة تحديد عدد الأعضاء غير المفهومة تارة وغير المنطقية تارةً أخرى. فالمطالب كانت تتجه لزيادة عدد أعضاء المجلس وليس لتقليص العدد وذلك بناء على متغيرات عدد السكان في سوريا وحاجة السوريين والسوريات للتمثيل الحقيقي والذي لا يمكن أن يحصل بالدوائر الواسعة.
فالدوائر الحالية واسعة جداً الأمر الذي يجعل منطقة مثل معضمية الشام من دون نائب في البرلمان ويحال تمثيلها إلى داريا وبالتالي يصبح من الصعب أن تحقق تمثيلاً حقيقياً لداريا والمعضمية معاً.
وكذلك الحال بالنسبة للدرباسية في محافظة الحسكة، فالحسكة المحافظة فيها 7 مدن لكنها قسمت فقط على 4 دوائر انتخابية .
وينسحب الأمر على محافظة حمص التي قسمت على 5 دوائر انتخابية فقط، ما يخلق صعوبات في التمثيل ضمن هذه الدوائر ويحرم منطقة مثل وادي النصارى أن تكون دائرة انتخابية.
وكذلك الحال مدينة مثل القدموس في طرطوس تخرج من دوائر التمثيل الضيقة لتدخل في التمثيل الواسع فقد قسمت طرطوس لخمس مناطق انتخابية ليس من بينها مدينة القدموس علماً أن محافظة طرطوس تتشكل من 6 مدن.
هذا الواقع التمثيلي المعقد يجعل من الضروري الذهاب أكثر للدوائر الضيقة على حساب الدائرة الواسعة حالياً، وهذا لا يمكن أن يتحقق بالعدد الحالي لمجلس الشعب. وانطلاقاً من هذا الواقع نبقى أمام مخاوف حقيقية من أزمة تمثيل واسعة بعد تشكيل مجلس الشعب بالقادم.
دائرة مدينة حلب غائبة؟
الانتقادات الموجهة للتشكيلة الحالية للمجلس معظمها منطقي وناجم عن الحاجة للشعور بالتمثيل والذي لم تحققه هذه التشكيلة الحالية ولا يمكنها تحقيقه. فالآلية تفتقر للشفافية كافتقارها للموضوعية بالنسبة لمنتقديها.
كما أنها تلغي دائرة مدينة حلب وتتبعها لدائرة جبل سمعان الانتخابية، وهو أمر يثير حفيظة الحلبيين بشكل واضح. فهذا التوزيع لا يراعي الهويات المحلية ولا يأخذ بعين الاعتبار مدينة مثل حلب بثقلها واسمها ودورها التاريخي.
بعض الانتقادات قائمة على أساس الشعور بالمظلومية أيضاً وهي تحتاج أن تؤخذ بعين الاعتبار، وبعضها ناجم عن احساس البعض أنه من حقهم أن يتكافأوا.
لكن هناك انتقادات في صلب العملية وناجمة عن عدم معرفة التوزيع السكاني الذي اعتمد والقناعة بأن محافظة س أكبر من محافظة ع وهذا يحتاج توضيحات كما يحتاج تقديرات موثوقة لتحقيق التوازن على صعيد المحافظات وعدم شعور إحداها بأنه تم تمييز محافظة أخرى عنها.
أزمة تمثيل التنوع
تواجه توزيعة مجلس الشعب الحالي وعدد أعضائه أزمة حقيقية في تمثيل التنوع، فسوريا بلد متنوع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث فيها التنوع السياسي والاجتماعي والثقافي والعرقي والديني، والطائفي..إلخ، وهو تنوع على المستوى الوطني ككل وكذلك على المستوى المحلي، وبالتالي لدينا تحديان، الأول على مستوى سوريا ككل في تمثيل التنوع لدى المجتمع السوري، والثاني على المستوى المحلي (المحافظة) في تمثيل هذا التنوع لكن دون أن يكون على حساب فئات أخرى.
مثلاً محافظة مثل الحسكة عدد نوابها 10 يصبح تمثيل التنوع فيها عملية غير ممكنة وعلى حساب التوازن العددي، وينسحب الأمر على محافظات عديدة في سوريا، ما يجعلنا أمام احتمالين إما تحقيق تنوع التمثيل المحلي على مستوى المحافظات والذي سيؤدي لخلل على المستوى الوطني، أو تحقيق تنوع التمثيل على المستوى الوطني مقابل خلل في التمثيل على المستوى المحلي. ينصح بقراءة هذا التقرير لفهم أزم تمثيل التنوع بشكل أكبر.
وبطبيعة الحال، فإن طريقة وضع قواعد العملية الانتخابية تحدّد بشكل مسبق نتائج الانتخابات قبل إجرائها، وبالتالي فإن معايير توزيع المقاعد على المحافظات هي الأساس في تحقيق العدالة التمثيلية ومراعاة تنوع المجتمع السوري في كل محافظة وخصوصيات المناطق والمكونات، فضلاً عن أهمية مراعاة تمثيل النساء والشباب في المجلس القادم، علماً أن النظام الانتخابي الذي صادقت عليه رئاسة الجمهورية نصّ على أن تراعي اللجنة ما أمكن أن تكون نسبة النساء في عموم الهيئات الانتخابية لا تقل عن 20%، رغم المطالبات بأن تكون نسبة تمثيل النساء في المجلس 30% وفقاً للمعايير الدولية.
ويكتسب مجلس الشعب القادم أهمية واسعة نظراً لأنه سيتولى مسؤولية السلطة التشريعية في البلاد وفقاً لما نصّ عليه الإعلان الدستوري، ما يزيد من أهمية أن يكون ممثّلاً للسوريين والسوريات بمختلف مكوناتهم وانتماءاتهم، لا سيما بعد الجدل الذي أثاره إجراء مؤتمر الحوار الوطني بطريقة متعجّلة وعدم مراعاة التمثيل الحقيقي لمكونات المجتمع السوري، والأزمات التي عصفت بالبلاد خاصة في “الساحل السوري” و”السويداء” وما أظهرته من أهمية أن يكون الحوار حقيقياً وفاعلاً ويحقق التشاركية المطلوبة ويدخِل المواطنين في إدارة بلادهم ويمنحهم شعوراً بالتمثيل والمساواة في الحقوق والواجبات.
أزمة التمثيل السياسي في سوريا خلال المرحلة الانتقالية “الفجوة التمثيلية للنساء والشباب”