توازن العقل والقلب للوصول إلى عالم لاعنفي – ناجي سعيد
العقل يضع أهداف لحياتك والقلب يجعلك تُحبّ هذه الأهداف
سناك سوري-ناجي سعيد
لقد كنت في سنّ التاسعة عشرة حين قرأتُ كتابًا لأحد المفكّرين، وعنوان الكتاب المُلفت هو: “هل العقل للغرب والقلب للشرق”.
اللافت بالعنوان، أنّه يُحاكي نتائجَ استخلصتُها من بحثٍ أنجزته منذ سنوات عن “الهويّة، العادات والتقاليد”. ولو استخدمت منظار اللاعنف، لأخذت السؤال (عنوان الكتاب) وأعدت صياغته كالآتي: هل العقل لاعنفي؟ والقلب عنفي؟، وقد يصدم سؤالي عن القلب بعض الناس، كيف يمكن للقلب، وهو مصدر الحبّ -لا بل رمزًا له- أن يكون عُنفيًّا؟ فمن المعروف بأنّ من يريد التعبير عن حبّه لشخصٍ آخر، يرسم قلبًا، ويكتب الحرف الأوّل للاسمين عند طرفي رسم القلب.
والإجابة على هذه التساؤلات، لا بدّ من أن تكون علميّة بيولوجيّة. فالقلب ما هو إلا عضلة مليئة بالدماء الحمراء، وليس لديه أي وقتٍ للحُبّ. فلو وضعتَ يدك على القلب لوجدته في حالة نبضٍ دائم، وبشكلٍ طبيعي يضخّ الدم إلى جميع أجزاء الجسد. وأكثر من ذلك، هل يمكن لعضوٍ مثل هذا، أن يكون لديه وقت للحب؟ ثم كيف يصنع الحب؟ وكيف يؤلّف كلمات الحبّ ويمكّن الانسان من حفظها؟.
القلب مجرد عضلة تتأثر بانفعالات صاحبها التي لا تأتي من فراغ، فالانفعالات ليست سوى ردود فعل طبيعيّة للجسم، جرّاء هورمونات يُفرزها الدماغ فتؤثّر بالسلوك من خلال خضوع جهازنا العصبي وتأثّره بهذه الإفرازات. وهذه الإفرازات من عمل الدماغ، لكن الانفعالات الصادرة عن سلوك الإنسان، لا تصدر إلاّ عن طريق الحواس. والمِثال العلمي الذي يوضح آلية هذه العملية، هو ما يلي: حين ألمس بيدي شيئًا ساخنًا (حاسة اللمس)، أشعر بالسخونة، فيمرّ هذا الشعور إلى الدماغ، وذلك عبر الجهاز العصبي.
يُدرك الدماغ هذا الشعور، فيعطي أوامر لليد بالابتعاد عن السطح الساخن، وهذا السلوك المُبرمج دماغيًّا، هو دفاعي. وأستنتج من هذه العملية البيولوجيّة الموجودة في أجسامنا، بأن طابع سلوك البشر دفاعي بقصد الحماية من الأخطار المقصودة وغير المقصودة.
أن تتجنّب الأخطار بقصد الحماية، من أساسيات اللاعنف غير الواعي. وهنا نستنتج بأن قرار القلب بانتهاجه اللاعنف هو قرارًا غير واعٍ، فليس هناك ضمان على بقائه لاعنفيًّا، فالقلب الخاضع لكيمياء الجسد يمكنه أنّ يكره كما يُحبّ تمامًا، ويصدر بعد أي شعورٍ (فرح/ حزن/غصب..) سلوكًا لاعقلانيًّا، وهذا تأكيد على ما قرأته في الكتاب المذكور أعلاه، أن العقل للغرب والقلب للشرق، طبعًا دونما تعميم.
اقرأ أيضاً: جين شارب أميركي لاعنفي – ناجي سعيد
فمن ينسى كيف سيطر الألمان على عواطفهم التي أنتجت مشاركة بحربٍ عالمية، وانقسام إلى دولتين، لا بل انتهجوا عقلانية حلّقت بهم إلى مصافّ الدول المُتقدّمة في العالم. ومن الممكن تخيّل النتائج الكارثيّة التي كانت ستحدث لو تَبِع الألمان قلبهم وليس عقلهم.
وعلى الرغم من أني كتبت على ورقة لزميلتي في العمل الألمانية الجنسيّة (ميكاييلا) فلسفة حياتها: “اتبع قلبك“. “فخطّ” يدي جميل، وهي تريد أن تضع هذا وشمًا على يدها!! وبالنسبة لي فأنا اتبع عقلي، ومقتنع تمامًا بذلك. حيث خضعت لدورة تدريبية حول “إدارة الدماغ” للدكتور ذوقان عبيدات من الأردن، فقد رسخت معلومة هامّة جدًّا برأسي، بأن العقل يضع أهداف لحياتك والقلب يجعلك تُحبّ هذه الأهداف.
ولا زلت مُختلفًا مع صديقي حسن، الذي يتبع قلبه، وهو مُقتنع بأن القلب هو قائد المسيرة. لا بل أكثر من ذلك، يمكنني القول بأن من يتبع قلبه، قد يغرق في اتخاذ قرارات عفوية، انفعاليّة غالبًا ما تكون مُخطئة، فمعيارها الحفاظ على مصلحة شخصيّة من ناحية بناء علاقات كثيرة تزيد كثافة الدوائر في القلب. وحين تكثُر هذه الدوائر حول القلب، تشكّل “غباشًا” يحجبُ الرؤيا أمام العقل.
فعمل الدماغ يحتاج إلى “موضوعيّة” خالصة من كل شوائب “الذاتيّة” المليئة بأشواك القلب والعواطف. يقولون بأن الإنسان العقلاني جافّ الطباع، ولا يعرف معنى الحُبّ والعواطف والتعاطف مع الآخرين. ولكنّهم مخطئون بالطبع، فالدماغ يستطيع إدارة التوازن بين العقل والقلب، لكنّ القلب يعجز عن ذلك حتمًا.
أرفض قطعًا التعميم، فليس العقل للغرب بأكمله، كما ليس القلب للشرق دون استثناءات. لكن على الرغم من تطرّفي نحو العقل، إلاّ أن التوازن بين القلب والعقل، يُحقّق “الاتّزان” المنشود الذي تحلم به الإنسانيّة للوصول إلى عالم لاعنفي.
اقرأ أيضاً: لا ضرر لا ضرار – ناجي سعيد