تهديد الأمن القومي لسوريا – بلال سليطين
سوريا تدفع ثمن التطبيع العربي الإسرائيلي وغياب الاستقرار
تهديد الأمن القومي لسوريا هو الوصف الدقيق للثمن الذي تدفعه البلاد نتيجة التطبيع بين بعض الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي. ولغياب الاستقرار فيها على مختلف الأصعدة أمني اقتصادي اجتماعي معيشي…إلخ.
سناك سوري – بلال سليطين
عندما بدأ التطبيع بين الدول العربية والاحتلال الاسرائيلي كتبت أنه يمثل تغييراً في الخارطة السياسية والاقتصادية لمنطقتنا. وأنه يمثل تغييراً في الواقع ستدوم آثاره أكثر من نتائج حرب العشر سنوات التي مرت على سوريا.
واليوم يمكننا أن ندرك بشكل واضح كيف يتمثل هذا التغيير في الخارطة وماهي الآثار المترتبة على سوريا نتيجة هذا التغير الخطير.
موقع سوريا الاستراتيجي
في كل مراحل الدراسة كنا نقرأ عن موقع سوريا الاستراتيجي ودورها كصلة وصل بين الشرق والغرب. وظلت سوريا محافظة نظرياً على موقعها الاستراتيجي معتمدةً في ذلك على القطيعة العربية مع الاحتلال والانغلاق عليه.
لكن سوريا عملياً لم تستفد من موقعها الاستراتيجي ويمكننا أن نجري مقارنة بسيطة بين سوريا كدولة مرور وترانزيت بين الشرق والغرب وتركيا كدولة مجاورة تتمتع بمواصفات مشابهة. فنجد أن سوريا لم تستفد 10% من موقعها ومن يمرون عبر مطار أتاتورك في يوم واحد يعادلون عدد الذين كانوا يعبرون المطارات السورية في شهر على الاقل (قبل عام 2011). وينسحب الأمر على الموانئ البحرية.
حتى شبكة النقل السككي الدولية لم تكن فعالة. فالخط السككي مع العراق لم يكن فعال. حتى مع تركيا كان الاعتماد على النقل البري رغم سهولة وتوفير وميزات النقل السككي.
والأسطول البحري وحركة الموانئ كانا بالحدود الدنيا. ويمكننا إجراء مقارنة مثلاً بين ميناء دبي وميناء اللاذقية على سبيل المثال. فالفرق لناحية التجهيز والحركة يذهب لصالح دبي التي استقبلت عام 2010 حوالي 13 مليون حاوية بينما استقبلت اللاذقية 586 ألف حاوية – مقارنة خاسرة جداً.
أما على صعيد النقل البحري فاستقبلت دبي لوحدها عبر البحر قرابة 350 ألف سائح في عام 2010 بينما لم يكن هناك رحلات بحرية تذكر إلى سوريا.
أسباب منطقية وأخرى فشل إداري
طبعاً هذا الواقع عائد لاعتبارات عديدة بعضها سياسي مرتبط بالعقوبات الغربية التراكمية منذ العام 1979 والتي أدت لمنع استيراد معدات الطيران مثلاً. وبعضها الآخر مرتبط بسوء التخطيط والإدارة وضعف الحوكمة المحلية وسوء استثمار الموقع الجغرافي عملياً.
لكن هذا الواقع بالمحصلة ضيَّع على سوريا مليارات الدولارات من الواردات شهرياً. وأخَّر النمو الاقتصادي وساهم في سوء الواقع المعيشي والاقتصادي للسوريين. ويمثل هدراً للموارد لأسباب نعيد التأكيد أن بعضها سياسي أسبابه غربية وبعضها الآخر مسؤوليته داخلية تتحملها السلطات.
ماذا تغير اليوم… لماذا الموقع الجغرافي لسوريا مهدد؟
رغم كل الأخطاء السابقة إلا أن سوريا كانت قادرة في أي لحظة على استثمار موقعها الجغرافي نظراً للقطيعة العربية مع الاحتلال الإسرائيلي. ووجود استقرار أمني واقتصادي وسياسي يساعدها على إجراء تحولات استثمارية.
لكن اليوم وبعد 12 عاماً من الحرب فإن الوضع يزداد سوءاً لناحية المتغير الجديد المتمثل بالتطبيع العربي الاسرائيلي والذي بدأنا نلحظ آثاره. وأوضح مثال لذلك هو مشروع الممر الاقتصادي الذي تم الإعلان عنه مؤخراً في قمة مجموعة العشرين بالهند_عقدت يومي التاسع والعاشر من الشهر الجاري_. والذي يربط بين جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والشرق الأوسط.
فالتطبيع العربي مع الاحتلال جعل طريق عبور الممر عبر ميناء حيفا الذي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي. وهو أمر يضعف موقع سوريا الجغرافي ويهدد أمنها القومي.
وكلما تطورت العلاقة بين دول الخليج والاحتلال الإسرائيلي كلما كانت سوريا خاسرة اقتصادياً. والخسارة لا تتوقف عند حدود الربط الجغرافي لعمليات النقل والترانزيت. بل تنسحب على التصدير.
تطور العلاقات السياسية يؤدي لاحقاً لتطور العلاقات الاقتصادية ولدينا مثال واضح بين مصر والاحتلال الإسرائيلي. وبالتالي فإن تطور العلاقات السياسية بين الخليج والاحتلال غالباً سيؤدي لتطور التبادل التجاري وهنا تكمن المشكلة.
يصدّر الاحتلال الإسرائيلي جملة من المنتجات الزراعية إلى أوروبا منها “الحمضيات” التي تشتهر بها سوريا. وهذا التطبيع سيفتح للاحتلال سوقاً جديداً في الخليج لتسويق الحمضيات وبالتالي قد تخسر سوريا سوقاً هاماً لها لتسويق حمضياتها.
وهذا الأمر ينطبق أيضاً على ممر الحزام والطريق الذي سبق أن طرحته الصين قبل 10 سنوات. والصين وإن كانت أبدت اهتماماً بأن تكون سوريا جزءاً من هذا الممر إلا أنها لم تستبعد منه الاحتلال الإسرائيلي وليس لدى الصين أي موانع في هذا الإطار. فهي تمتلك علاقات جيدة مع الاحتلال وبالنسبة لها فإن الأولوية للاقتصاد فيما يتعلق بهذا الممر.
تهديد الأمن القومي لسوريا عابر للانقسام السياسي
إن تهديد الأمن القومي لسوريا ليس موضوعاً تعنى به الموالاة أو المعارضة او للتنافس بينهما وإنما هي قضية وطنية عابرة للانقسام. وهذا التحول يعني أن سوريا قد تواجه في مستقبلها خسائر اقتصادية كبرى تفوق آثارها حرب السنوات الـ 12 التي عاشتها.
ولكي تعود سوريا وتتمكن من مواجهة هذا الخطر تحتاج بشكل رئيسي لاستعادة الاستقرار الأمني وتوحيد الجغرافية السورية تحت مظلة واحدة. فهذه ضرورات رئيسية قبل أن تعتمد الصين سوريا فقط كممر للحزام والطريق. كما أنها ضرورات رئيسية لاستعادة الاستقرار الزراعي وتعزيز الصادرات وإحياء العلاقات التجارية مع الخليج العربي وإلا فإننا سنصبح أمام أمر واقع يصعب تغييره.
بالمحصلة هناك تحديات كبيرة ومتنوعة للأمن القومي في سوريا. والمتغيرات في العالم تؤثر على سوريا وعلى السوريين جميعاً التفكير ملياً بالخروج من أزمة بلادهم بشجاعة شديدة والتعاون في مواجهة مخاطر الأمن القومي.