تحدي الموت جوعاً أو بالكورونا – بلال سليطين
بين خطر الجوع والكورونا.. خيارات السوريين فردية
تحدي الموت جوعاً أو بالكورونا.. يبدو واضحاً أننا دخلنا مرحلة جديدة على أرض الواقع عنوانها انتشار فيروس كورونا في سوريا، فالبلاد تكاد تسجل كل يوم حالات جديدة وبأرقام مرتفعة نسبياً عما كانت عليه سابقا.
سناك سوري – بلال سلطين
كما أن الحالات المسجلة حديثاً لم تعد معروفة المنشأ كما كان الوضع سابقاً، فبعض الإصابات المسجلة حديثا لم يعرف من أين انتقلت إليها العدوى، وبالتالي نحن أمام حالات منتشرة غير مشخصة، ومن الصعب جداً الآن القول أن الرقم المسجل لدى وزارة الصحة حتى يوم الاثنين (219) هو الرقم الفعلي للإصابات في سوريا، بسبب الحالات غير المكتشفة ومحدودية القدرة على إجراء الفحوص.
هذا الواقع متغير ولن يكون ثابتاً ومن الصعب جداً التنبؤ بمسار انتشار الفيروس، ويزداد الأمر خطورة أيضاً مع تسجيل إصابات ضمن العاملين بالقطاع الصحي، هذا القطاع المعني بالتعامل مع المصابين بهذه الجائحة والذي تعد سلامته أهم عنصر من عناصر قدرته على المواجهة والقيام بدوره الأمثل، كما أن إمكانيات هذا القطاع بالأساس محدودة من حيث عدد الأسرة والكوادر الطبية وأجهزة الفحص …إلخ.
للأسف الشديد الخيارات السورية محدودة في التعامل مع الوضع الراهن، وخيار عزل بلدة راس المعرة ومن ثم جديدة الفضل بسب تسجيل حالات فيهما غير قابل للتعميم على كل سوريا، وسيبقى خياراً محدوداً لعدد من المناطق والبلدات ومن الصعب جداً عودة الحظر شبه الشامل الذي طبق في وقت سابق نظراً لعوامل عديدة.
اقرأ ايضاً: الحكومة تغيّر خطتها أمام كورونا
سيناريو الحظر الذي طبق مع سلسلة الإجراءات الاحترازية التي لجأت إليها الحكومة في آذار 2020 لم يعد ممكناً بشكله السابق، وإن كان هذه وقته المثالي فالبلاد ارتفعت فيها الحالات من 38 حين رفع الحظر إلى “200” اليوم، إلا أن نتائجه كانت كارثية بكل ما للكلمة من معنى سواء على الدولة أو الفرد من الناحية الاقتصادية فقد كان له منعكسات خطيرة وخسائر يومية أكبر من قدرة الاقتصاد السوري على استيعابه، كما أن الوضع الراهن متدهور أصلاً بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ والآثار التي ألحقها بالاقتصاد السوري وحاجة هذا الاقتصاد لعملية الانتاج ودورة الحياة … إلخ لكي يتمكن من تقليل الآثار جزئياً.
إن الواقع المعيشي السوري متدهور أصلاً، ولا قبل لأكثر من 90% من السوريين بتعطيل أعمالهم ولو ليوم واحد فهم أصلاً يعانون من الخسائر، وتعطيل عملهم يهددهم فعلياً بالجوع وسط عدم قدرة الحكومة على تأمين مستلزماتهم من دون فيروس كورونا فكيف مع إجراءاته.
اقرأ أيضاً: منظمة الصحة: كورونا سيبقى معنا طويلا
الخيارات المتاحة أمام السوريين ضيقة جداً، فهم من جهة يواجهون وضعاً اقتصادياً مزرياً مترافقاً مع عقوبات تراكمية ازدادت تشديداً مؤخراً، ومن جهة أخرى يواجهون خطراً حقيقياً للإصابة بفيروس كورونا في ظل محدودية قدرات القطاع الصحي لوجستياً ومخاطر الإصابة على حياتهم.
إن عدم القدرة على اتخاذ قرار تقييد الحركة العامة لا يعني عدم القدرة على اتخاذ خيارات فردية، فكل فرد مسؤول عن وقاية نفسه ويمكنه العمل على ذلك بخطوات بسيطة تم تطبيقها في العديد من المجتمعات وحققت نسب نجاح عالية مثل: عدم المصافحة، استخدام الكمامات، التباعد الجسدي، غسل اليدين بشكل مستمر، عدم ملامسة الوجه دون التحقق من نظافة اليدين… إلخ من إجراءات فردية تساعد في الحماية والسلامة ما أمكن، إضافة لحاجة السوريين حالياً لشفافية حكومية في الإعلان عن خطتها أمام الواقع الحالي وسبل مواجهة المخاطر المتاحة لديها.
اقرأ أيضاً: تصريحات الحكومة لوحدها لا تمنع انتشار كورونا… نحن ماذا نفعل؟
لقد طال خطر فيروس كورونا بلا أدنى شك وهذا أمر يدفع للتململ والتراخي لكن بالنظر إلى الواقع وإلى الظروف المعيشية والإمكانيات المحلية الصحية واللوجسيتة والاقتصادية فإننا لا نملك رفاهية التراخي ولا التململ وليس أمامنا خيار أفضل من خيار الإجراءات الاحترازية الفردية للسعي من خلالها على تجنب أنفسنا خطر الإصابة، فالعلاج صعب وإذا أُنتج اللقاح عالمياً لن يصل إلينا قريباً، لذلك فنجاتنا تعتمد على أنفسنا وعلينا أن لا نحصر أنفسنا بين خياري الموت جوعاً أو بالكورونا.
اقرأ أيضاً: العقوبات على سوريا.. تغيير بالمناخ الدولي وأولوية الحاجات الإنسانية