تجديد الثقة بـ حمودة الصباغ.. من هو رئيس وزراء سوريا القادم؟
حمودة الصباغ مفاجأة الإصلاحات... ماهي خيارات رئاسة وزراء سوريا؟
تشتهر السياسة والإدارة في سوريا بأنها نادرة “المفاجآت” ومعظم الأمور تمضي فيها وفق مسارات معروفة أو مفهومة مسبقاً. لكنها عندما تقرر أن تفاجئ فهي تذهل تماماً كالذهول المُرافق لتعيين “حمودة الصباغ” رئيساً لمجلس الشعب. والذي يفتح باب التساؤلات والبحث عن إجابات من هو رئيس وزراء سوريا القادم ؟. ماهي التوقعات لتشكيل حكومة جديدة وماهي مواصفات رئيسها وكيف يتم اختياره عادةً؟.
سناك سوري – بلال سليطين
قبل أشهر قليلة شرعت السلطات السورية بإجراء إصلاحات داخلية شملت حزب البعث الحاكم الذي تُختار منه قيادات وإدارات مختلف المناصب الحكومية و(الشعبية) في البلاد.
وهي إجراءات إصلاحية بمضمونها غير مفاجئة على اعتبار أن الكثير منها تم طرحه بمداخلات في مؤتمرات حزبية سابقة أبرزها مؤتمر عام 2005. لكنها نسبياً مفاجئة بموعد تطبيقها داخل بنية الحزب على اعتبار أنه لم يسبقها أي مقدمات أو تمهيد بالسنوات العشر السابقة على الأقل.
الإجراءات الإصلاحية في حزب البعث
وقد شملت هذه الإجراءات بشكل رئيسي انتخاب أعضاء اللجنة المركزية في حزب البعث والتي تنبثق منها قيادة الحزب الحاكم. وقد جرت العادة أن يتم اختيار اللجنة المركزية وقيادة الحزب دون انتخابات. واللجنة المركزية مع قيادة البعث الجديدة شهدت تغييرات جذرية على صعيد الأعضاء وتقديم وجوه جديدة بالكامل، مع انحياز واضح وتقدم لصالح تيار فروع الجامعات في الحزب.
المفاجأة الكبرى تمثلت باختيار البعث السيد “حمودة الصباغ” كرئيس لمجلس الشعب وهو الذي أمضى حتى الآن 7 سنوات في منصبه.
وتبع هذا الإجراء انتخابات داخلية حزبية لاستئناس حول مرشحي البعث لمجلس الشعب السوري الذي تم انتخابه مؤخراً وفاز البعث بأغلبيته. وقد التزمت قيادة الحزب باختيار غالبية الفائزين بالانتخابات الحزبية ليكونوا مرشحين لها محافظةً بشكل نسبي على إرادة ناخبيها.
وهو تحول داخلي إيجابي ومهم وكان ينتظر انعكاسه على بنية التفكير في إدارة الدولة من قبل حزب البعث ذاته ومسؤوليه في المناصب القيادية. وأول الاختبارات والاستحقاقات تتمثل في اختيار رئاسة ومكتب مجلس الشعب التي كان ينتظر منها أن تعبر عن التغيير والمرحلة الجديدة.
وهنا تكون المفاجأة. حيث سبق الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب تسريب الأسماء التي ستتولى المناصب في مكتب ورئاسة البرلمان. وهو تسريب تقليدي متكرر في كل انتخابات حيث تعرف الأسماء قبل أن تُنتخب لذلك نجد أن هناك من شكك بهذه الأسماء أول تسريبها.
لكن المفاجأة جاءت بأن هذه الأسماء فازت كما هي في اليوم التالي بما فيها غير البعثيين. بينما المفاجأة الكبرى تمثلت باختيار البعث السيد “حمودة الصباغ” كرئيس لمجلس الشعب وهو الذي أمضى حتى الآن 7 سنوات في منصبه. الأمر الذي اعتُبر تعثراً للمسار الإصلاحي الذي كان عنوانه “الوجوه الجديدة في الحزب”.
لماذا يعتبر اختيار “حمودة الصباغ” مفاجئاً؟
الحديث العام بأوساط الحزب الحاكم والمسؤولين في السلطة والمؤسسات كله كان يدور حول الإصلاح والتغيير. وقد بدأت التغيير “بالوجوه” عبر تجديد قيادة الحزب كاملة. ومن ثم بدأت الخطوات الإصلاحية مثل استبعاد ممثلي البعث في النقابات ممن أمضوا دورتين متتاليتين من أي انتخابات على نفس المستوى النقابي. وفي هذا إيحاء بتوجه البعث لتحديد مدد الولايات. وهذا القرار فيه أيضاً تماهي مع سياسة الإصلاح الإداري للحكومة والتي حددت سقف زمني للمدراء.
لذلك عندما وصلنا إلى رئاسة مجلس الشعب كان من المفترض وفق السياق الإصلاحي الذي تم تقديمه أن يكون هناك رئيس جديد للبرلمان. لكن لم يتم الاكتفاء بالتجديد للسيد رئيس المجلس بل فاز بالتزكية التي لطالما كانت موضع انتقاد ودليل على مستوى عطالة الحياة السياسية في سوريا.
حمودة الصباغ ونهج “العمل بالظل” في مجلس الشعب
لكن بعيداً عن مبدأ التغيير بالوجوه الذي لا يكفي لكي يعتبر إصلاحاً بقدر ما هو تغيير وتبادل سلطات، لا بد من النظر لحاجة مجلس الشعب لنهج جديد.
يتمثل نهج الظل في مجلس الشعب بإجراء كل جلسات المجلس بعيداً عن عدسات وسائل الإعلام وعدم ظهور رئيس المجلس في أي حوار إعلامي متلفز خلال 4 سنوات
يمثل السيد “حمودة الصباغ” نهج “العمل بالظل” في مجلس الشعب السوري. فخلال الولايتين السابقتين أصبح مجلس الشعب محاطاً بعتمة شديدة ولا يخرج منه معلومات للإعلام إلا ما شحّ وندر.
فجلسات المجلس كلها مغلقة ولا يتم بثها على وسائل الإعلام، وما يخرج من الجلسات يقتصر على خبر صحفي مقتضب جداً وتعداد أسماء المتحدثين. بالإضافة لعشرات الصور للنواب والتي لا تجيب على أي أسئلة عن أدوارهم وطروحاتهم داخل القبة.
بينما يمتلك مجلس الشعب مركزاً إعلامياً مجهزاً بداخله. ويمكن من خلاله توفير التغطية المباشرة وكذلك مساحة للقاءات والحوارات الإعلامية مع النواب وخلق علاقة بينهم وبين وسائل الإعلام ومن خلالها للجمهور السوري.
حتى أن رئيس مجلس الشعب السوري حمودة الصباغ خلال الدور التشريعي السابق الذي استمر 4 سنوات لم يخرج في حوار إعلامي مُتلفز أو مؤتمر صحفي مباشر على الإطلاق. وبإحصاء زاوية لقاءات ومؤتمرات في الموقع الرسمي لمجلس الشعب فإن عدد النواب الذين ظهروا على وسائل إعلام خلال 4 سنوات لا يتعدّون 30 من أصل 250. ومعظم لقاءاتهم كانت لنقاش مواضيع غير مرتبطة بعمل المجلس ولا بعملهم في المجلس.
انطلاقاً من هذا الواقع كان المجلس بحاجة رئيس جديد يمنحه الحيوية ويغير سياسة الظل. ويجعله حاضراً أكثر في حياة السوريين وفي عمل الحكومة. إلا إذا كان السيد “حمودة الصباغ” سيغير من سياسة تعاطيه مع دور المجلس وشفافية عمله.
رئاسة حمودة الصباغ هل تجدد حكومة عرنوس؟
لو بدها تشتي بالحكومة كانت غيمت بمجلس الشعب هي جملة مكررة منذ عام 2020 أيضاً عندما كان البعض يقول أن الحكومة المرتقبة آنذاك ستكون تغييرية ومميزة..إلخ. ولكن كان المكتوب كما يقال مبين من “عنوانه” وعنوانه كان انتخابات مجلس الشعب وتشكيلة المجلس حينها وقد أفضى الأمر آنذاك لإعادة تكليف رئيس الوزراء “حسين عرنوس”.
لذلك وفق المعطيات الراهنة والتجارب السابقة فإن قيادة الحزب الحاكم قد تكون ذاهبة أيضاً نحو التجديد لرئيس الوزراء الحالي “حسين عرنوس”. كما أن حكومة “عرنوس” الحالية تتعامل وكأنها مستمرة لأربع سنوات قادمة فقد أعلنت بآخر أيامها عن نيتها التوجه نحو الدعم النقدي. وهذا يجعل أيضاً احتمال استمرار رئيس الوزراء الحالي المنحدر من محافظة إدلب أمراً وارداً جداً. كما حصل مع نظيره في مجلس الشعب المنحدر من محافظة الحسكة أيضاً.
المسار التقليدي لاختيار رئيس وزراء سوريا؟
خلال الـ24 عاماً الماضية تم اختيار رؤساء الوزراء جميعهم إما من الحكومة السابقة أو من المحافظين، بينما كان القاسم المشترك بينهم أنهم كانوا أعضاء في القيادة المركزية لحزب البعث أو في لجنته المركزية. وبالنظر إلى أعضاء اللجنة المركزية للحزب الحاكم وللقيادة المركزية فإن الوزراء والمحافظين أعدادهم محدودة جداً.
عادةً يكون رئيس الوزراء عضواً في القيادة المركزية لحزب البعث (القطرية سابقاً) أو عضواً في اللجنة المركزية للحزب
القيادة المركزية للحزب التي تشكلت مؤخراً وزعت جميع المهام فيها على الأعضاء وبالتالي ليس بينها أي عضو شاغر المهام. بينما عندما تم تكليف عماد خميس أو حسين عرنوس برئاسة مجلس الوزراء كانا أعضاء قيادة بدون حقيبة أو مهام. يضاف إلى ذلك أن الاثنين كانا وزراء في الحكومة أصلاً ولديهما الخبرة والمعرفة بمسار الإدارة والحوكمة المعتمد.
بناءً على ذلك يُستبعد أن يكون رئيس الحكومة عضواً في القيادة المركزية الحالية. إلا إذا تم تجديد تكليف رئيس الوزراء الحالي “حسين عرنوس” والذي هو عضو قيادة بحكم المنصب. أي أن أي رئيس وزراء في سوريا سيصبح عضواً في قيادة الحزب فور تعيينه.
أما في اللجنة المركزية للحزب فهناك بعض الخيارات بالنظر للوزارات السابقة على مدى عقود فإن رؤساء الوزراء إما مهندسين أو أطباء أو ضباط. وإلى جانب ذلك هم إما وزراء سابقون مثل “عادل سفر، رياض حجاب، وائل الحلقي، وعماد خميس” أو محافظين مثل “محمد مصطفى ميرو”.
وهذا يجعل الخيارات محدودة بين 7 أسماء تماماً نستبعد منهم 4 لأسباب متعددة أبرزها أن اختصاصاتهم لا تساعدهم، أو أنهم ضباط وهناك توجه لاختيار رئيس وزراء مدني.
يبقى 3 خيارات فقط، الأول وهو الأوفر حظاً على الإطلاق والمرجح أن يتولى هذه المهمة بحال استبعد “عرنوس” واعتمد المسار التقليدي وهو “محمد الجلالي”.
“الجلالي” وزير الاتصالات سابقاً كان غائباً عن الساحة السياسية السورية لعدة سنوات قبل أن يعود إلى الواجهة عبر اللجنة المركزية. حظوظه الأكبر لأنه يعرف مسار العمل الحكومي وهذا احتياج هام لرئيس الوزراء أن يفهم المنهجية والآلية الإدارية القائمة ولا يأتي من خارج (السيستم).
من خلفه مباشرة يأتي محافظ حماة السابق “غسان عمر خلف” والذي يتمتع بأهمية كبيرة في الحزب وكان له دور هام في الرقابة ومكافحة الفساد داخل المؤسسة الحزبية خلال عمله رئيساً للجنة المعنية. ونقطة ضعفه أنه لم يشغل أي منصب وزاري.
اختيار امرأة لرئاسة مجلس الوزراء في سوريا سيكون استثنائياً من نوعه ويكاد يكون محصوراً بالوزيرتين لمياء شكور وسلام سفاف في حال حدوثه
أيضاً من الخيارات الأقل حظاً بالمسار التقليدي يأتي “معن عبود” محافظ حماه حالياً ورئيس منظمة اتحاد شبيبة الثورة. والذي يبدو أن تكليفه بمهام المحافظ ليست سوى بداية انخراطه في المسار الحكومي وتحضيره للارتقاء به. ولديه نقطتا ضعف الأولى أنه لم يشغل منصب وزير من قبل وليس من الاختصاصات التقليدية التي تشغل المنصب لكن يبقى لديه حظوظ بالحاضر والمستقبل.
خيارات تقليدية واستثنائية لرئاسة وزراء سوريا
من خارج المسار التقليدي تتصدر المشهد بالدرجة الأولى وزيرة الإدارة المحلية “لمياء شكور” بصفتها وزيرة في الحكومة. وهي قريبة من المدرسة الإدارية الفرنسية التي تحبها دمشق ولطالما استعانت بها. ولأنها امرأة ولطالما أحبّت السلطات في سوريا المفاجآت في منح المرأة أدوار كما حدث مع “هدية عباس” عندما ترأست مجلس الشعب. علماً أن وزيرة التنمية الإدارية “سلام سفاف” ليست بعيدة عن الاختيار في حال كان التوجّه نحو امرأة.
الخيار الآخر وهو محسوب على التيارين التقليدي والجديد “سهيل عبد اللطيف” وزير الأشغال العامة حالياً. وهو يحظى برضى وقبول واسع في المؤسسات الثلاث المعنية بالاختيار.
هناك أيضاً وزير التجارة الداخلية الأسبق “عمرو سالم” الذي يعد من بين الخيارات المطروحة والتي توصف بالصعبة. فهو كثيراً ما سبّب إحراجاً للحكومات الحالية والسابقة بانتقاداته لها ونشاطه على السوشال ميديا محط انقسام في السلطة بين من يراه هاماً جداً ومن يراه سلبياً.
رؤساء النقابات على رادار رئاسة الحكومة
هناك خياران آخران لم يسبق لهما أن توليا منصباً وزارياً ولكنهما قادمان من خلفية نقابية ولديهما شعبية في الحزب لكن نقطة ضعفهما أيضاً أنهما لم يحملا حقيبة وزارية من قبل..
يعد “محمد كشتو” رئيس اتحاد غرف الزراعة وعضو اللجنة المركزية أحد الخيارات المطروحة لتولي هذه المهمة أيضاً سواء حالياً أو مستقبلاً. ويُنظر له بأنه يحمل فكراً بعثياً حداثوياً مع المحافظة على هوية الحزب التقليدية.
أما الخيار الآخر والذي كان من المتوقع أن يكون عضواً في القيادة الجديدة للحزب وغاب عنها فهو “جمال القادري” رئيس اتحاد العمال”. “القادري” مازال أحد الأسماء البارزة في الحزب وهو خيار ينسجم مع أدبيات الحزب المتعلقة بالطبقة الكادحة. إضافة لكونه شخصية قيادية وذات نفوذ في الحزب وله شعبية كبيرة داخله ولم يكن على وفاق مع قيادة الحزب السابقة.
ليس من الصعب جداً توقع مواصفات رئيس الوزراء في سوريا بناءً على المعطيات السابقة وظروف الاختيار التي مر بها الأسلاف، وإن اختلفت الأسماء فإن الصفات متشابهة جداً. لكن بالتأكيد أن سوريا أمام مشكلتين جوهريتين الأولى أنها تعاني قلة الشخصيات القيادية والتي لديها خبرة إدارية غير تقليدية. والثانية أنه لو توفرت هذه الصفات في بعض الأشخاص، فإنه من الصعب جداً على حملتها تحقيق إنجازات في مناصبهم بظل ظروف البلاد الحالية وأزمتها السياسية العميقة والعقوبات وشح الموارد وضخامة الملفات العالقة بلا حلول منذ سنوات طويلة.