الرئيسيةتقاريرتنموي

بيع وسائل منع الحمل في سوريا ممنوع ويعرّض للسجن والغرامة

إشكاليات سياسة الإنجاب في سوريا بين الواقع والقانون

ربما لا يعرف كُثر أن بيع وسائل منع الحمل في سوريا ممنوع، حتى أنه يعرض البائع للمساءلة القانونية. والمفارقة الأكبر أن العديد من النقاط الطبية الحكومية تمنح وسائل منع الحمل لمن ترغب من السيدات.

سناك سوري-حلا منصور

واعتبرت سياسة الإنجاب في سوريا منتصف القرن الماضي مسألة قومية وليست عائلية فحسب. حيثُ ساهمَ تشدد القانون السوري في تجريم فعل الإجهاض في تكريسها. كما وزّعت الأوسمة على العائلات التي أنجبت أولاداً كُثر كنوع من التشجيع.

وخصّ قانون العقوبات السوري موضوع الإجهاض بعدّة نصوص قانونية، صدرت عام 1949. حيث اعتبر فعل الإجهاض دونما مبرر طبي جريمة يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات. وجاء في المادة 523: “من أقدم بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 208 على وصف أو إذاعة الأساليب الآيلة لمنع الحبل أو عرض أن يذيعها بقصد الدعارة لمنع الحبل عوقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة مائة ليرة”.

و المادة 524 : “يعاقب بالعقوبة نفسها من باع أو عرض للبيع أو اقتنى بقصد البيع أية مادة من المواد المعدة لمنع الحمل أو سهّل استعمالها بأية طريقة.”

المادة 524 من قانون العقوبات: يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة ودفع غرامة مائة ليرة من باع أو عرض للبيع أو اقتنى بقصد البيع أية مادة من المواد المعدة لمنع الحمل أو سهّل استعمالها بأية طريقة.

إشكاليات تطبيق قانون منع بيع وسائل منع الحمل في سوريا

تبقى قضيّة تحديد النسل في سوريا تحمل إشكاليات متكررة. ويمكن القول إنّ مواد القانون التي تجرّم الإجهاض وتعاقب عليه وما زالت سارية المفعول حتى الآن.ولا تتناسب مع توجّهات المجتمع على الأرض. حيث تُباع وسائل منع الحمل بشكل طبيعي وعلني في الصيدليات.

كما تتبنى جمعية “تنظيم الأسرة” المُرخصة، والتي تأسست عام 1974 وتساعد على تنظيم النسل وتحديده. استراتيجية التنسيق الواعي للإنجاب، وتربط بينه وبين أحوال الأسرة الصحية والاجتماعية والاقتصادية. فلماذا بقي القانون السوري محتفظاً بالمواد التي تجرّم بيع وسائل منع الحمل بغية الإجهاض؟.

مواطن عثر على طفل رضيع متروك في الشارع عام 2021-سناك سوري

تقول المحامية “اعتدال محسن”  في حديثها مع “سناك سوري” أنّ القانون السوري يعتمد التشريع الإسلامي الذي يحّرم الإجهاض كأحد مصادره. كما أنّ القانون خفف العقوبة عن بعض الحالات ولم يُلغيها، كالمرأة التي تُجهض في حال تعرضها للاغتصاب أو سفاح القربى كونها أجهضت جنينها إتّقاءً للعار. بينما كانت عقوبة المرأة التي أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها. الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.

وبيّنت “محسن” أن المواد موجودة حتى الآن في القانون السوري. ولكن يتم التغاضي عنها، إلّا في حال تقديم شكوى ضد أي صيدلية تتعامل بهذه المواد فإن القانون سيأخذ مجراه ولا مجال للتغاضي عنه.

في حال تقديم شكوى ضد أي صيدلية تتعامل بوسائل منع الحمل فإن القانون سيأخذ مجراه ولا مجال للتغاضي عنه المحامية اعتدال محسن

ووصفت المحامية التعارض بين الممارسات في الواقع واحتفاظ القانون السوري بهذه المواد حتى الآن “بالمعادلة الصعبة” التي لا يوجد لها تفسير. لافتةً إلى ضرورة أن يخضع القانون المتعلق بهذه المواد لإعادة الهيكلة والتنظيم من جديد، خصوصاً مع ازدياد حالات الاغتصاب وسفاح القربى وتخلّي العديد من الأسر السورية عن أطفالها وهم رُضّع، بسبب الوضع الاقتصادي و عدم قدرتهم على تأمين احتياجاتهم الأساسية.

وترى “اعتدال محسن” أنّ موضوع الإنجاب في سوريا يتبع للعادات والتقاليد ونظرة المجتمع الشرقي للإنجاب. التي ترى أنّ أهم وظيفة تقوم بها المرأة هي الوظيفة الإنجابية. إلّا أن ما يجب أن يلحظه المجتمع والقانون جيّداً هو أنّ جسد المرأة وقرار الإنجاب من حقها الشخصي الطبيعي. وكذلك اهتمامها بصحتها الإنجابية واختيار إنجاب كم الأطفال الذي ترغب به أو اختيار عدم الإنجاب الطوعي.

الأزمة الاقتصادية في سوريا
أطفال يعملون في نبش القمامة في القامشلي _ سناك سوري

الإنجاب في سوريا قبل الحرب

أشارَ التقرير الوطني الأول لحالة سكان سوريا الصادر عام 2008، إلى وجود زيادة كبيرة في حجم السكان. الحجم الأكبر منها قد وقع في النصف الثاني من القرن العشرين.

ولفتَ التقرير حينها إلى أن معدل النمو السكاني في سوريا كان أعلى من متوسط معدل النمو لجميع مجموعات البلدان التي تنتمي إليها. وهي (العالم، قارة آسيا، البلدان النامية، البلدان العربية). حيث بلغ معدل الخصوبة الزواجية الكليّة في بدايات مرحلة النمو السكاني السريع (7.9) مولود. لينخفض تدريجياً إلى (4.2) مولود عام 1994، ثمّ إلى (3.6) مولود حتى عام2004.

وأظهرت نتائج التعدادات العامة للسكان إلى أنّ حجم السكان قد أصبح في العام 1981 ضعف ما كان عليه تقريباً في العام 1960. ووصل في تقديرات العام 2007 ليشكّل ثلاثة أمثال حجمه في العام 1970.

في ظلّ الحرب التي عصفت بالبلاد، حصل تدنّي في معدل الخصوبة الكلية ليصل إلى 3 مواليد. بحسب تقرير الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان لعام 2020

الحرب وتدنّي نسبة الخصوبة!

إلّا أنّه، وفي ظلّ الحرب التي عصفت بالبلاد، حصل تدنّي في معدل الخصوبة الكلية ليصل إلى 3 مواليد. بحسب تقرير الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان لعام 2020.

وهذا الانخفاض يعود إلى عدم الاستقرار، وهجرة الكثير ممن هم في عمر الإنجاب، والأوضاع الاقتصادية المزرية التي يعاني منها المواطنون/ات. من بطالة وعدم قدرة على الزواج، كذلك تدهور القطاع الطبّي، فباتت واحدة من مخاوف القاطنين/ات هي إنجاب طفل. بينما ليس بإمكانهم/ن تأمين ثمن الحفاضات والحليب وعلب الأدوية. أو مستلزمات الطفل العاديّة والاعتناء بالأم ما قبل وما بعد الإنجاب، مع ارتفاع سعر الاستشفاء.

وبناءً على المتغيّرات الجديدة وسوء الأحوال الاقتصادية ورغبة كثير من السوريين بعدد أقل من الأطفال. ينبغي تعديل القوانين التي تمنع بيع وسائل منع الحمل في سوريا، وتتركها متاحة بطريقة مضبوطة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى