بيانات الحكومة لرفع الدعم…. المؤسسات تسقط بامتحان المعلومات
سقطت مؤسسات الحكومة السورية في اختبار المعلومات عندما قدمت قواعد بيانات تم الاعتماد عليها في رفع الدعم عن شرائح معينة من السوريين وفقاً لأسباب هي حددتها لكن فيما بعد تبين أن فيها آلاف المعلومات المغلوطة والتي أحدثت كارثة حقيقية باختيار المستبعدين.
سناك سوري – بلال سليطين
بعيداً عن جزئية رفع الدعم بحد ذاتها والجدل الذي أثارته، إلا أن قضية قواعد البيانات التي استندت إليها الحكومة لا تقل أهمية عن موضوع رفع الدعم لناحية أن البيانات هي الأساس التي توضع بموجبه الخطط والمشاريع وكذلك تُدرس المتغيرات الإجتماعية والاقتصادية والمعرفية .. إلخ وصولاً لاتخاذ القرار المناسب بناءً على معلومات دقيقة.
هذه البيانات تم جمعها عبر مجموعة وزارات ومديريات فرعية تابعة لها من “الداخلية، النقل، التجارة الداخلية…..إلخ” وكان هناك تنسيق متكامل بين كل هذه الوزارات على اعتبار أن معظم الوزراء موجودون في اللجنة المعنية بإعادة هيكلة الدعم والتي يترأسها فعلياً رئيس مجلس الوزراء، أي أن قواعد البيانات جاءت للجنة من المصادر الحكومية التي من المتفرض أن لديها كل البيانات المطلوبة.
هناك أمثلة كثيرة على عدم صوابية المعلومات مثل أن فلان يملك سيارة وهو فعلياً قد باعها منذ سنوات، أو فلان يملك سيارة وهي بالأساس ملكية حكومية ويقودها بحكم وظيفته، أو فلان مسافر خارج البلد وهو لا يملك جواز سفر، أو فلان مسافر خارج سوريا وهو متوفي منذ 10 سنوات، أو فلان مسافر إلى الخارج وهو طالب مرسل بمنحة دراسية بالتنسيق مع الحكومة، أو لديه سجل تجاري وهو غير فعال مُنذ 10 سنوات….إلخ من أخطاء ساذجة إلى حد كبير.
الخطأ الثاني المرتبط بالبيانات هو الافتراض بمتانة الروابط الأسرية وبثراء الموجودين خارج البلد، فعلى سبيل المثال تفترض الآلية أن العائلة التي لديها ابن بالخارج لديه التزامات تجاه ذويه ويرسل لهم أموالاً كل شهر ليعيشوا منها، فإذا فرضنا أن المغترب يعيش في “لبنان” التي يتواجد فيها قرابة مليون سوري، فإن دخل السوري في لبنان بعد تدهور العملة هناك يعادل دخل السوري في سوريا وبالتالي من يعمل في لبنان من شبه المستحيل عليه توفير مبلغ مالي لإرساله لعائلته، وفي الوقت ذاته يوجد آلاف المغتربين الذين لا يؤدون أي التزامات تجاه عوائلهم “فهم غير مسؤولين عنهم”.
من جهة أخرى فإن إلغاء الدعم على أساس الابن المغترب يفتقد لأدنى درجات المنطق، خصوصاً وأن العرف لدى الحكومة أن رب الأسرة هو المسؤول عنها فما علاقة الأسرة بسفر ابنها، ربما يمكن استعمال هذه الآلية في حال سفر رب الأسرة وليس سفر أحد أفرادها، علماً أن المعيار من أساسه غير منطقي.
من الأمثلة التي صادفتها وقد رفع الدعم عنها عائلة أب موظف حكومي متقاعد بعد خدمة حكومية قاربت 40 عاماً، وهو حالياً مريض (لايقوى على الحركة) يحتاج دواء ومصاريف شهرياً تصل قيمتها إلى 5 أضعاف راتبه التقاعدي، وأم غير موظفة وهي غير قادرة على صعود سلالم المنزل ونزولها بسبب آلام المفاصيل، ولديهما ابن موظف حكومي وابن آخر يدرس الدكتوراه في الخارج وقد حصل على منحة، تخيل مثلاً أنك موظف خدمت الدولة 40 عاماً والآن راتبك لا يكفيك ثمن دوائك وفوق ذلك تقول لك الدولة نحن لسنا مسؤولين عن دعمك وعلى ابنك الذي يدرس في الخارج دعم محروقاتك وتدفئتك ..إلخ.
طبعاً هذه البيانات أعلاه استُند إليها في اتخاذ أهم قرار حكومي على الاطلاق وأكثره حساسية، وهي بيانات غير محصورة بشكل دقيق، فكيف بالبيانات التي تبني عليها الحكومة خططها الاستراتيجية والمستقبلية، كم يشوبها من الخطأ وكيف تنعكس على حياة المواطن وفشل ونجاح المشاريع الحكومية.
أزمة قاعدة البيانات في سوريا ليست وليدة اليوم بل هي ناتج تراكمات من غياب الأتمتة الصحيحة وتطوير بنية المعرفة والمعلومات من جهة، وعدم تقدير قيمة المعلومات من جهة أخرى، فعلى سبيل المثال يعجز أي صحفي في سوريا إلا نادراً على الحصول على رقم من مؤسسة حكومية، وهو بالتأكيد ناتج عن سياسة تعتيم حكومية، ولكن يبدو أن سياسة التعتيم ولدت ترهلاً في آليات بناء قواعد البيانات حتى صارت خارج الرقابة عديمة الجودة وحتى الأهمية، وفي حال توفرها تكون مثل نموذج قواعد البيانات أعلاه.
كما أنه كان من السهل جداً قراءة هذه اللحظة التي نعيشها الآن قبل عدة أشهر فقد سبق وكتبنا حرفياً عند طرح مشروع رفع الدعم أنه لايمكن أن تدعم الدولة كل الشرائح بشكل متساوي، من دخله 65 ألف ليرة ومن دخله 650 ألف ليرة، فهذا غير منطقي، لكن تحديد الشرائح التي تستحق الدعم يحتاج نظام ضريبي وآليات إحصاء ومتابعة وتثبت من الدخل غير متوفرة في سوريا، لذلك سيكون الظلم والفساد كبيرين مالم يتم توفير مصادر المعلومات الدقيقة. وهذا ماكان فعلاً.
بالحقيقة إن تدارك المشكلة لا يكمن بالاعتراضات بل بضبط الدخل الفردي للمواطن بشكل دقيق وهذه هي الطريقة الوحيدة لزيادة نسبة الدقة في اتخاذ القرار وجعلها بمعدلات عالية قد تصل إلى 95%، فعندما يكون هناك سيستم مالي في سوريا وأتمتة لحركة الأموال من تكلفة ركوب الباص إلى شراء منزل إلى استلام الراتب …. إلخ حينها فقط يمكن بناء المعطيات على معلومات دقيقة نسبياً أما بناؤها على افتراض أن فلان لديه سجل تجاري دون التحقق من دخله الشهري فهذا ظلم كبير فتخيل أن هذا السجل التجاري يوفر له في الشهر 90 ألف ليرة هل هذا دخل مواطن يجب رفع الدعم عنه!!؟؟
كانت وستبقى المعلومات والبيانات أحد أهم عوامل نجاح الإدارة والتخطيط، وتوفرها أولوية قصوى لأي حكومة تريد النجاح.
اقرأ أيضاً الفساد الإيجابي.. جواز السفر السوري نموذجاً – بلال سليطين