بلدة “مرّان” تنفض سواد “داعش” عن جدرانها بعيداً عن أعين حكومة “خميس”
عائلة عادت وأعادت معها قرية كاملة
سناك سوري – متابعات
قبل تاريخ 22 كانون الثاني 2017 كان بلدة “مرّان” خالية من السكان بسبب الحرب الطاحنة بين “القوات الحكومية”، و”داعش” التي احتلت المنطقة، وفرضت شريعتها على الناس، فمنهم من مات، ومنهم من هرب، ومنهم من اختار الانضمام إلى “داعش” لتجنب كل ذلك. غير أن “محمد الخلف” رئيس البلدية قرر العودة مع أفراد أسرته ليكون أول من يصل إلى بلدته بعد سنوات من النزوح والتشرد. كان كل شيء يدعو للبكاء في هذا القفر الخالي من الناس، فالألغام تنسف كل حلم بالأمان، وشحّ المياه الصالحة للشرب تجعل الحياة أكثر جحيماً على هذه العائلة المؤلفة من رجل وامرأة، وثلاث صغيرات لا يعرفن لماذا كل هذا العذاب الذي يصيبهن دون جميع البشر.
يقول “الخلف” لصحيفة “الأخبار” اللبنانية أنه كان يرغب بترك منزله، واللجوء لأحد الأقارب في “حلب”، إلا أن الرفض كان قاطعاً من زوجته التي تعلم معنى التشرد، وأضاف: «مستحيل كنا نقبل نتركو وحدو (للبيت). في تلك الفترة، سرت شائعات كثيرة عن انعدام الأمان، كان الهدف تخويف الناس من الرجوع، وطلعت إشاعات إنو الشباب عم يتقتلوا، والعساكر عم يغتصبوا البنات والنسوان، وجودنا هون كان ضروري منشان الناس ترجع، كيف بدهم يرجعوا إذا ظنوا إنو عيلة رئيس البلدية خايفة؟».
وتضيف الزوجة بحسب تقرير أعده الزميل “صهيب عنجريني”: «بعد أسابيع من الوحشة، بدأت بعض العائلات بالعودة. اليوم نكاد لا نصدق أن أسرتنا أحيت المنطقة بعدما قارب عدد العائدين إلى “مرّان” 5500 شخص من أًصل 8000 كانوا يقطنونها زمن السلم».
ويؤكد “خلف” الذي يحمّل نفسه عبئ تأمين طلبات العائدين: «ما رح حسّ إني عملت اللي عليّ لترجع الكهربا، يوم اللي نِكبُس فيه زر وصول الكهربا لـ مرّان رح استقيل».
رغم أن البلدة الواقعة في “ريف حلب” الشرقي والتي يتبع لها 32 قرية ومزرعة كانت بالأصل بلدة مهملة قبل الحرب، لكنّها اليوم أكبر تجمع بشري تحت سيطرة “القوات الحكومية” في منطقة “الباب”، إلا أن زيارات الوفود الرسمية إليها كانت معدومة نهائياً، فمشاريع “إعادة الإعمار” ليست هنا، ولا تشكل أولوية في الوقت الحاضر.
اقرأ أيضاً وفد وزاري في حلب والرقة .. من دون زغاريد
يقول الصحفي “صهيب عنجريني” الذي سار بطريق موحش خال من الحركة نحو البلدة: «قبل الحرب، كانت بلدة “مرّان” مجرّد نقطة لا تكاد خريطة التنمية الحكومية تلتفت إليها، شأنها شأن مئات البلدات والقرى التي أسهم الجفاف في تهميشها. واليوم، تحوّلت المنطقة إلى أكبر تجمّع بشري مستقرّ في كنف الدولة السورية غربي مدينة “الباب” (التي يسيطر عليها “درع الفرات”)، حيث يزورها ضبّاط وجنرالات، ويحفظُ اسمها بعض المسؤولين. وتبعد كخطّ نظر قرابة 11 كلم عن أقرب نقطة خاضعة لسيطرة “درع الفرات”».
اقرأ أيضاً سوريون نجحوا في الحفاظ على إرث وطني في ريفي إدلب وحلب؟ (صور+فيديو)
رئيس مجلس البلدة “محمّد الخلف” يدير العمل من مستوصف البلدة، الذي يناضل العاملين به من أجل تلقيح الأطفال، ومعالجة مرض “اللاشمانيا”، وأمراض الكلى نتيجة مياه الآبار المخصصة للشرب. قال: «مشكلتان جوهريتان تخيّمان على حياتنا هما مياه الشرب والكهرباء. هما مرتبطتان بعضهما ببعض. تعيش المنطقة بلا كهرباء في ظل تخريب كامل البنى التحتيّة. وبحث مجلس البلدة عن حل للمشكلة، وخلص إلى إعداد دراسة كاملة للحصول على الطاقة البديلة (طاقة شمسيّة)، ويتطلّب الأمر تحمّس جهة ما لمنح قروض بلا فوائد للسكّان، قيمة القرض الواحد مليون ليرة (حوالى 2300 دولار)، وسيكون كافياً لتزويد منزل واحد بمنظومة طاقة شمسيّة كاملة، على أن يسدد من الزراعة».”يبدو أن البلدة ليست فقط خارج حسابات الحكومة، وخارج حسابات المنظمات الدولية أيضاً، فهي تصرف التمويل يميناً وشمالاً في مناطق أخرى على مشاريع لا أهمية لها ولا يتعدى أثرها لحظة تصويرها واستعراضها إعلامياً، خصوصا تلك التي تحمل اسم الإنمائي”.
ورغم كل المشاكل والأسى الذي تركه “داعش” في النفوس، إلا أن الأطفال يلتحقون بشوق بالغ إلى المدارس التي تحتاج إلى رعاية كاملة ما زالت مفقودة من قبل “مديرية تربية “حلب”، فالطلاب ومع من تبقى من كادر مدرسي استطاعوا أن يبنوا مداميك للفرح هناك، فلم يمر “عيد الجلاء” بلا عرض مسرحي أنجزه أطفال “مرّان” بإشراف مخرج من أبناء المنطقة. «هذا ما يجب أن يسمى وضعاً طبيعيّاً. على المستقبل أن يكون مختلفاً وهذا الجيل هو المفتاح، فشلنا وسينجحون» يقول “الخلف” لمراسل “الأخبار” المتفائل دائماً بالقادم. وكي تكتمل الصورة، فإنّ الأهالي تعاقدوا مع حافلة على نفقتهم، لتنقل الكادر التدريسي يوميّاً من “حلب” وإليها.
اقرأ أيضاً: في حدث نادر خلال الصراع أطفال في ريف حلب يحتفلون بالميلاد