أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليل

بعد عامٍ من سقوط النظام .. سوريا تسقط التقديس عن صورة الزعيم

الرئيس الخادم للشعب لا الحاكم بأمر نفسه

لم يكن سقوط نظام بشار الأسد مجرّد لحظة هروبه إلى “موسكو” وانهيار أركان حكمه بشكل درامي فحسب، بل حمل معه سقوطاً لهالة التقديس التي أحاط نفسه بها.

سناك سوري _ محمد العمر

وكعادة الديكتاتوريات التاريخية كان بشار الأسد يفرض حضوره في كل مكان بنشر صوره في المؤسسات العامة ودوائر الدولة وحتى الصفوف المدرسية، ولم يتوانَ أنصاره عن طباعة صورته على العلم الوطني، في محاولة طالما عمل عليها النظام لخلق نوع من التماهي بين “القائد” و”الوطن” لدرجة أن سمّيت البلاد “سوريا الأسد”.

لقد سئم السوريون تقديس الرئيس بقراراته الدموية وضحكاته البلهاء، فأسقطوا قدسيته منذ بداية الثورة السورية حين رفعوا شعارات تستهدفه شخصياً دون مواربة

كان الأسد يتعامل مع البلاد من منطلق أنها “ملكية خاصة” ورثها عن أبيه، حتى أن التعليقات الساخرة انتشرت في عهده لمشهد واجهة مطار دمشق الدولي التي غصّت بصور الرئيس المخلوع، حيث اعتبر كثيرون أن الأسد يعامل واجهة المطار معاملة صفحة انستغرام لكثرة ما نشر صوره فيها.

الأسد يشتم الغوطة والشبل تسخر من الجنود .. كيف صوّر الإعلام الرسمي زيارة الغوطة 2018؟

وعلى مدار عقود كانت قرارات الرئيس وأقواله وأفعاله وضحكاته البلهاء محطّ تقديس، فهي خارج دائرة النقد ولو من بعيد، ومهما وصلت الجرأة بأحد فإن سقفه انتقاد رئيس حكومة أو وزير أو رئيس بلدية، أمّا انتقاد الأسد فكان من المحرّمات التي تودي بصاحبها للهلاك، بل كان من الضروري في كل مرة يظهر فيها أن تعمّم آيات تقديسه وتعداد صفاته وميزاته وذكائه وعبقريته في كل حركاته وسكناته.

مواطن يعلق صورة الشرع على سيارته ويحذره من الغرور
مواطن يعلق صورة الشرع على سيارته ويحذره من الغرور

سقوط التقديس

لقد سئم السوريون تقديس الرئيس بقراراته الدموية وضحكاته البلهاء، فأسقطوا قدسيته منذ بداية الثورة السورية حين رفعوا شعارات تستهدفه شخصياً دون مواربة، ليقولوا بوضوح أن مشكلتهم معه تماماً ولا تقف عند حدود محافظ حمص، منذ ذلك الحين لم يعد لـ بشار الأسد قدسيته التي أخاف الناس منها.

وبعد نحو 14 عاماً من الثورة ضده، انتهى الأمر بالأسد هارباً بذعرٍ نحو موسكو بينما كانت المدن تتداعى من بين يديه وصولاً إلى العاصمة يوم 8 كانون الأول 2024.

ثوار حلب_ انترنت

وقد لعبت ممارسات نظام الأسد على مدى عقود من محاولات ترسيخ القدسية على الرئيس واعتبار أنه لا يخطئ، في أن ينفر السوريون عموماً من محاولة تقديس أحد أو تصويره بصورة البطل الذي يعلو على بقية الناس، أو خلق قائد تبصم له الجموع بالدم وبشكل أعمى مسلّمةً أمرها له.

فيما تأكّد الأمر أكثر مع الفيديوهات المسرّبة لـ”بشار الأسد” وبجانبه “لونا الشبل” بينما يتهافت العناصر وحتى الضباط برتبٍ عالية لتقبيل يده، في وقتٍ يظهر فيه استهزاءه بهم وسخرية “الشبل” من إذلال أنفسهم، لتتكشّف بوضوح نظرة الديكتاتور لأتباعه الخاضعين ومدى احتقاره لهم.

التطبيل في عرس السلطة … الأخ جوهر بو مالحة

لم تعد سوريا قابلة لتقديس شخص، مهما كانت إنجازاته وإيجابياته

وعلى الرغم من التمثيل الرمزي الذي اكتسبه الرئيس الانتقالي “أحمد الشرع” منذ لحظة سقوط النظام، باعتباره قائداً لإدارة العمليات العسكرية التي خاضت آخر معركة ضد النظام وأسفرت عن سقوطه، فقد تجنّب السوريون الوقوع في فخ التقديس، وشهد العام الماضي بعض المواقف مثل محاولة أحدهم أداء أغنية في مدح الرئيس، أو قيام البعض بطباعة صورة “الشرع” على العلم، فقد تمت المسارعة للوقوف في وجه هذه الممارسات سواءً من الشارع نفسه الذي لم لم يعد يقبل صورة الزعيم المحاط بهالة التقديس والقدسية.

حتى أن “الشرع” تعمّد في إحدى خطاباته القول «أخاطبكم كخادم وليس كحاكم» للتأكيد على إعلان مرحلة جديدة تتغير فيها صورة الرئيس في أذهان السوريين.

لم تعد سوريا قابلة لتقديس شخص، مهما كانت إنجازاته وإيجابياته، الأمر الذي ظهر جليّاً خلال عامٍ من سقوط النظام، فلا شعارات لتمجيد الرئيس أو الزعيم أو القائد ولا صور مرفوعة لتبجيله، ولا خطوط حمراء لانتقاد قراراته.

اختبر السوريون شعور إسقاط القدسية، ونضج لدى كثيرين مفهوم واضح بأن الرئيس منصب سياسي في جهاز الدولة، وليس منصباً قدسيّاً يهبط من السماء، وأن تأييد سياسات الرئيس ومواقفه لا يعني تقديسه الأعمى ولا تنزيهه عن الخطأ، فالأكيد أنه يخطئ ويصيب وأنه قابل للنقد والتصويب كما هو قابل للتأييد والدعم، لكن أي قائد أو زعيم لم يعد قابلاً للتقديس.

زر الذهاب إلى الأعلى