مسار الإصلاح القانوني في سوريا .. قوانين سويسرية كيف يقاس أثرها وتطبيقها؟
ثورة قوانين في سوريا.. تجريم التعذيب وإلغاء محاكم الميدان وانتكاسة قانون جرائم المعلوماتية

شهد السوريون على مدى السنوات الماضية سلسلة من المراسيم التي تأتي ضمن مسار الإصلاح القانوني في سوريا. والذي يعد من الناحية النظرية تحسيناً للبيئة القانونية المرتبطة بالحقوق والحريات لكن هل تكفي القوانين لإحداث تغيير؟.
سناك سوري _ حلا منصور – محمد العمر
أحدث تلك المراسيم جاء مطلع أيلول الجاري. ويقضي بإلغاء محاكم الميدان العسكرية التي يبلغ عمرها حوالي نصف قرن، وإحالة جميع القضايا المُحالة لها بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسكري.
القرار لاقى ترحيباً واسعاً، حيث اعتبر المحامي “عارف الشعّال” عبر منشور له على صفحته الخاصة في فيسبوك، أنّ إلغاء هذه المحاكم يُعتبر إزاحة لأهم الكوابيس الجاثمة على صدر العدالة. لأنها محاكم سريّة لا يدخلها محام، وقراراتها لا تقبل الطعن وتخضع للسلطة التنفيذية التي تملك الحق بإلغاء أحكامها حسب قوله.
بينما قال مدير إدارة القضاء العسكري في “سوريا” اللواء “يزن الحمصي” لصحيفة “الوطن” أن المرسوم يعطي القضاء العسكري دوره الصحيح في البت بقضايا الارتكابات الحساسة والخطيرة على الوطن ذات الطبيعة العسكرية. وجاء ضمن سياق ترسيخ التنظيم القضائي كأساس لترسيخ متطلبات الاستقرار. وتحقيق العدالة الجزائية عبر العودة التي كانت تنظر فيها محاكم الميدان العسكرية إلى القضاء العسكري الذي يطبّق الأصول والقوانين النافذة المطبقة في وزارة العدل إضافة للقوانين الخاصة بالقضايا ذات الطابع العسكري.
تجريم التعذيب
وفي السياق نفسه. شهد العام الماضي صدور القانون رقم 16 لعام 2022. المتعلق بـ“تجريم التعذيب” والذي ينص على عقوبة بالسجن تبدأ من ثلاث سنوات لكل من ارتكب التعذيب قصداً أو شارك فيه. وتصل العقوبة للإعدام بحال نتج عن التعذيب موت الإنسان. ونص القانون على حظر إصدار أوامر التعذيب من أي جهة أو سلطة كانت. وعدم الأخذ بأي اعتراف أو معلومة يثبت أن الحصول عليها تمّ نتيجة التعذيب.
لا يعتد بأي اعتراف أو معلومات يثبت أنه تم الحصول عليها نتيجة التعذيب إلا كدليل على من مارس التعذيب. المادة 3 من قانون تجريم التعذيب
مسار العملية الإصلاحية للقوانين المرتبطة بحقوق الإنسان والحريات العامة بدأ منذ العام 2011 على وقع بداية الأزمة السورية في آذار.
وكانت البداية مع إلغاء قانون الطوارئ المعمول به منذ عام 1962 ورفع حالة الطوارئ التي تضع قيوداً على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أماكن وأوقات معينة. وتوقيف المشتبه بهم والخطرين على الأمن والنظام توقيفاً احتياطياً. والإجازة بتحري الأشخاص والأماكن في أي وقت وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال. فضلاً عن إحالة القضايا في عدة جرائم إلى القضاء العسكري مهما كانت صفة الفاعلين أو المحرضين أو المتدخلين. الأمر الذي كان يضع مدنيين بمواجهة محاكم عسكرية بما يخالف القانون الدولي نظراً لأنها محاكم استثنائية ويمكن للمحاكم المدنية النظر في القضايا المتعلقة بالمدنيين بدلاً منها.
إصلاحات 2011
وفي 21 نيسان 2011 صدر المرسوم رقم 53 القاضي بإلغاء محكمة أمن الدولة العليا وإحالة الدعاوى المنظورة فيها بحالتها الحاضرة إلى المرجع القضائي المختص وفق ما تنص عليه قواعد أصول المحاكمات الجزائية.
و”محكمة أمن الدولة العليا” هي أيضاً محكمة استثنائية ويتم التقاضي فيها على درجة واحدة أي أن أحكامها مبرمة لا تقبل أي طريق من طرق الطعن أو المراجعة.
أما المرسوم 54 لعام 2011 فمنح للمرة الأولى حق التظاهر بعد رفع حالة الطوارئ. وتضمّنت مواده طرق تنظيم “التظاهر السلمي”. واشترطت الحصول على موافقة مسبقة من وزارة الداخلية لإقامة المظاهرات.
يجب أن يكون لكل مظاهرة لجنة منظمة مؤلفة من رئيس وعضوين على الأقل يتم تسميتهم في الطلب المقدم ويتعين على هذه اللجنة أن تحافظ على النظام أثناء المظاهرة وأن تعمل على منع كل قول أو فعل يتعارض مع القرار القاضي بترخيص المظاهرة ولها أن تستعين في ذلك برجال الشرطة. المادة 7 من قانون تنظيم التظاهر السلمي
وفي آب 2011 صدر المرسوم رقم 100 الذي سمح بتنظيم الأحزاب السياسية. بعدما كان التمثيل الحزبي المرخّص يقتصر على أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية” واعتبار أي حزب آخر نشاطاً سرياً يجرّمه القانون.
وسمح المرسوم بإنشاء الأحزاب بناء على رخصة يتم منحها من “لجنة شؤون الأحزاب” التي يترأسها وزير الداخلية. وقد تمّ خلال السنوات الماضية ترخيص 11 حزباً في البلاد بموجب القانون.
يضاف إلى ذلك إقرار دستور 2012 الذي غيّر النظرة الدستورية لمسألة الحريات والحقوق. وأنهى المادة الثامنة من الدستور السابق التي منحت حزب “البعث” قيادة الدولة والمجتمع.
متابعة المسار الإصلاحي
مسار الإصلاح القانوني في سوريا يمضي بخطى بطيئة في قوانين وسريعة في قوانين أخرى. فعلى الرغم من أن الحديث عن تغيير قانون “الجمعيات” في “سوريا” بدأ منذ عام 2011 مع سلسلة المراسيم الإصلاحية فإنه لم يقر بعد.
يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع المادة 8 من الدستور السوري لعام 2012
بينما يعود القانون الحالي إلى العام 1958 ويعطي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل صلاحيات واسعة على عمل الجمعيات. فضلاً عن أنه لا يواكب العصر مع اتساع دور “المنظمات غير الحكومية” والتي لا يزال قانون تنظيم عملها في “سوريا” قيد الانتظار.
من جهة أخرى. وعلى الرغم من إقرار قانون جديد للإعلام عام 2011 عبر المرسوم 108. إلا أنه لم يرضي الصحفيين/ات في سوريا وبقي بعيداً عن مطالبهم حتى أنه في كثير من الأحيان لم يتم تنفيذه. وبعد مرور أكثر من 10 سنوات على إقراره أظهر ضعفاً في التطبيق إذ لا يحاكم الصحفيون بموجبه في كثير من الحالات ويخضعون لقانون جرائم المعلوماتية. ورغم بدء الحديث منذ عدة سنوات عن قانونٍ جديدٍ للإعلام إلا أنه أيضاً لا يزال حبيس الأدراج.
قانون الجرائم المعلوماتية .. انتكاسة للحريات
في نيسان 2022 صدر قانون الجرائم المعلوماتية ليشكّل ما اعتبره كثيرون انتكاسة للحريات. من حيث القيود التي وضعها على محتوى ما ينشره المواطنون عبر الانترنت.
الإشكالية التي خلقها القانون هي المصطلحات الفضفاضة التي استخدمها في تحذيراته. حيث يعاقب مثلاً على “النيل من هيبة الدولة” بعقوبة السجن من 3 إلى 5 سنوات مع غرامة مالية من 5 إلى 10 ملايين ليرة.
يعاقب بالسجن المؤقت من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وغرامة من (5,000,000) ل.س خمسة ملايين ليرة سورية إلى (10,000,000) عشرة ملايين ليرة سورية كل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية. المادة 28 من قانون الجرائم المعلوماتية
كما أن القانون الذي وضع عقوبات مشددة في الغرامات والسجن بسبب “القدح والذم” بات بوابةً للابتزاز والضغط خاصةً على الصحفيين في حال كتابتهم أي محتوى عن أي شخص في موقع رسمي. واعتبار حديث الصحفي عن “شبهات فساد” حول هذا الشخص قدحاً وذمّاً ما أدى إلى انكفاء الصحفيين في كثير من الحالات عن هذا النوع من التحقيقات.
قوانين سويسرية كيف يقاس أثرها وتطبيقها
نظرياً يرى كثيرون أن هذه القوانين سويسرية خصوصاً تجريم التعذيب إلغاء محاكم أمن الدولة. وقبلها السلسلة المتعلقة بإلغاء قانون الطوارئ اتاحة التعددية الحزبية ووإلخ.
لكن هذه القوانين فعلياً تحتاج أن يقاس تأثيرها على الحريات العامة والحقوق المدنية. وكذلك مدى فاعلية تطبيقها والالتزام بها.
وهذا يحتاج مجتمعاً مدنياً مراقباً للتنفيذ على الأرض. تقاريراً دورية ودراسات وأبحاث علنية حول التطبيق والممارسات. وإجراء مراجعات وطنية لأثر التطبيق. ووجود هيئات حقوقية ومؤسسات مدنية رقابية وبحثية وتدريبية تعنى بمتابعة تطبيق الإصلاح القانون.
وإلى جانب كل ذلك. تحتاج شفافية ومؤشرات واضحة قابلة للقياس وإلا سنبقى في إطار قوانين جيدة على الورق وواقع سيء على الأرض. وإذا ما أردنا اليوم أن نضرب أمثلة عن سوء أو عدم التطبيق فالأمثلة كثيرة من تطبيق الدستور إلى قانون الإعلام مروراً بكثير من القوانين والأنظمة.