بسطات التعفيش.. أحلام سوريين معروضة للبيع بأسعار زهيدة
كل من اشتراها وقع له سوء.. حكاية غرفة النوم المستعملة فأل النحس في ريف القنيطرة
سناك سوري – خاص
سمعت ذات مرة عن قصة ذاك العجوز الذي خسر كل ما يملكه من مال، وعاد صفر اليدين حين أقدم مسلحون على مهاجمة منزله وسرقوا ما سرقوه من المنزل وغادروا المكان، و من بين المسروقات تلفاز ذاك العجوز.
مرت سنوات وترك العجوز المكسور مدينته نازحاً إلى مدينة أخرى، وهناك قرر العجوز زيارة جاره في مدينته الجديدة، وفي غرفة الضيافة شد انتباه العجوز ذاك التلفاز، فسأل جاره من أين اشتراه فأخبره أنه هدية من ولده وقد اشتراه منذ مدة. فأخبره العجوز أنه تلفازه وأنه وضع داخل التلفاز كل ما يملكه من مال خشية من لصوص الحرب، وإن كان ذلك صحيحاً فإن ذلك يعني أن ابنه هو الجاني، وبالفعل حصل العجوز على ماله بعد أن قام الجار بفتح التلفاز.
أعرف قصصاً كثيرة من هذا النوع لكن أغربها ما جرى في عام 2014 جنوب البلاد تحديدا في ريف “القنيطرة” حين كانت الفوضى في البلاد في ذروتها، فدمرت الحرب الأملاك الخاصة ونُهبت كما لو كان النهب والسلب عرفاً شعبياً عرفته الحرب، فانتشرت في البلاد بسطات “التعفيش”، كما لو كانت أيضاً المهنة الوحيدة والمشروعة في البلاد وباتت مع تلك الحالة أحلام كثيرين معروضة للبيع بسعر زهيد.
قررت “أم خالد” في الريف الجنوبي من القنيطرة أن تفرح بابنها “عدي”، وذلك بتزويجه، ثم بفرحة كبيرة باتت تبحث له عن غرفة نوم كجهاز للعروس، فقامت بشراء غرفة نوم بسعر زهيد من أحد باعة البسطات في قرية مجاورة، ثم تم تحديد موعد العرس، وقبل العرس بأسبوع خرج “عدي” للسهر مع رفاقه، وحين تأخر اتصلت والدته بأصدقاءه فأخبروها أنه عاد للمنزل منذ وقت طويل، “عدي” مثل كثر ممن خطفتهم الحرب لم يعرف عن مصيرهم شيء، يخرجون ولا يعودون، لا هم أحياء ولا أموات، وهي حالة أصعب من الموت، لأن انتظار الأمل كمن ينتظر الموت ولا يجده.
اقرأ أيضاً: “فارس الشهابي” عن المعفشين: المطلوب إعدام ميداني!
وحين طال انتظار “عدي” قررت والدته بيأس بيع غرفة النوم لأنها باتت تذكرها بأغلى ما تملك، فقام “عمر” وهو صحافي شاب في القرية بشرائها لأنه قرر الزواج من ابنة عمه، يقول “عمر” لسناك سوري :«اشتريت غرفة النوم من “أم خالد” وحين باعتها لي تملكتها غصة كبيرة فبكت لأنها تذكرها بابنها».
يضيف :«كانت علاقتي بخطيبتي جيدة، كنا نحب بعضنا البعض، حين وصلت للمنزل اتصلت بها وأخبرتها أني قمت بشراء غرفة نوم لنا، فتلمكها الفضول لتراها، فأرسلت لها صورتها عبر الوتساب، لكنها بدل أن تفرح انقلبت غاضبة إذ لم يعجبها لونها وطلبت بتبديلها، أغلقت الهاتف وقلت في نفسي إنها لحظة عصبية عابرة تحدث بين أي خاطبين وستهدأ غداً، لكن للأسف وصل الخلاف بيننا لحد القطيعة».
قطعت خطيبة “عمر” علاقتها به، وهو أمر دفعه للاستياء والهجرة الى أوروبا عام 2015، بقيت غرفة النوم مكدسة في منزل والده، فقرر والده بيعها مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وازدياد وتيرة الحرب.
“حمودة” (23 عام) يسكن في إحدى المزارع الصغيرة في ريف “القنيطرة” الجنوبي، أمضى سنين طويلة وهو يعمل في أقسى الأعمال كبناء الحجر والزراعة وما سواها، متزوج منذ عدة سنوات وقد عاهد زوجته أنه سيقوم بشراء غرفة نوم لها حين تتحسن أوضاعه، بالفعل قرر تنفيذ وعده حين أعلمه والد “عمر” أنه يرغب في بيع غرفة نوم ابنه بسعر زهيد وبالتقسيط.
قام “حمودة” بدفع قسط وتم الاتفاق على موعد لاحق لتسديد باقي الأقساط، في اليوم التالي ذهب “حمودة” مع ابن خالته بسيارة هذا الأخير لجلب غرفة النوم من منزل “أبو عمر”، وعلى الطريق كانت القرية قد تعرضت لهجوم من قبل أحد أطراف الصراع في البلاد، تم احتجاز “حمودة” وابن خالته وحين تطورت الأعمال العسكرية في المنطقة وتبدلت السيطرة العسكرية ضاع أثر حمودة وابن خالته.
اقرأ أيضاً: “تعفيش درعا” يغزو أسواق “السويداء” وفتاوي بتحريم الشراء
يروى أيضاً أن غرفة النوم تلك قام بشرائها شاب في قرية مجاورة قبل عرسه بأيام، وحين علمت حماته أنه لا يوجد تابلوه (كرسي تسريحة غرفة نوم) ضمن الغرفة اشترطت شراء واحد لابنتها، ومع مشادة كلامية بين الطرفين وقع الانفصال والطلاق.
باتت غرفة النوم حكاية يتداولها السكان كفأل نحس، غرفة النوم التي لا أحد يعلم من هو صاحبها وكيف وصلت إلى بسطات التعفيش.
يقال في العرف الشعبي، أن دعاء المظلوم يسقط من سابع سماء لسابع أرض، وليس بينه وبين من ظلمه حجاب، فمن يعرف أي مظلوم ذاك الذي سرقت منه فرحته في ليلة عرسه لتباع أحلامه وسعادته وتتحول إلى لعنة للآخرين.
اقرأ أيضاً: الهيئة الروحية في “جرمانا” تتصدى لتعفيش “الغوطة الشرقية”