بائع الخردة.. ذهب يبحث عمن سرق سيارته فسُرقت دراجة صديقه

“أبو العبد” كان ينادي (أي حدا عنده بطاريات خربانة، غسالات خربانة، كراسي خربانة، أي حدا عنده أبواب عتيقة للبيع)
سناك سوري – شعيب أحمد
لم يكن “مروان أبو العبد” بائع الخردة الجوّال ليعتقد أن يومه سيكون سيئاً كفيلم سينمائي طويل، على نمط الفيلم البرازيلي الشهير (مدينة الله)، فهو كغيره من سكان مدينة “نوى” (غرب درعا) يمشي الحيط الحيط ويدعو الله بالستر. فالستر هو أكبر مطالب الناس خلال هذه الأيام المرّة.
كل صباح يركب سيارته الصغيرة و يجول بين الحارات باحثاً عن الخردة، صوته المميز والمنبعث عبر مايكرفونه يملأ زقاق المدينة بموسيقا شارعية باتت تراثاً لكثير من أبناء هذا الجيل، خصوصاً حين يردد بنغمة مرحة وبصوته الصاخب (أي حدا عنده بطاريات خربانة، غسالات خربانة، كراسي خربانة، أي حدا عنده أبواب عتيقة للبيع).
في العادة يجول جميع أحياء المدينة باحثاً عن ذاك الـ(أي حدا) حتى في تلك الأحياء القابعة على أطراف المدينة، وفي ذاك اليوم و في جولته الأخيرة في الحي الشرقي عبر “أبو العبد” أحد الطرق الزراعية، باحثاً عن رزقه لكن فجأة و من بين عرانيس الذرة خرج له شابان ملثمان يركبان دراجة نارية، أحدهما بقي على مسافة منه يحمل بندقية والآخر اقترب منه ببطء وهدوء وأخرج مسدسه وصوّبه إلى رأسه.
أخذ “أبو العبد” الموقف بهدوء، و بشيء من مرح، ترجل من السيارة وتتقاسمه الكثير من المخاوف، قاما بتطميش رأسه بكيس قماش، وعقدا يداه خلف ظهره واقتادوه بسيارته، بعد قرابة الساعة قاموا بفتح باب السيارة ورموه في إحدى المزارع في ريف “درعا” الغربي.
بقي لبضعة دقائق يتخيل شكل نهايته و مصيره، ينتظر الرصاصة المفاجئة، ومن أي مكان، من الجبين، ومن عقب الرأس أم سيقوما برش كامل جسده، فالجميع جنوب البلاد يسمع كل يوم عن حادثة اختطاف بدافع الفدية أو السرقة أو الثأر، وشهرياً يُقتل في درعا حسب المتداول قرابة 40 شخصاً بحوادث عنف واغتيالات مختلفة يقودها مسلحون مجهولون.
حين هدأ المكان حوله فكّ “أبو العبد” قيوده، نظر حواليه، لم يجد أحد، حمد الله وشكره على بقائه حياً، ركض وسط المزارع في الفلاة، فأخذه الطريق إلى بلدة المزيريب (غرب درعا) القريبة من مكان الحادث.
اقرأ أيضاً: سوريا: سطو مسلح على سوبر ماركت بوضح النهار
جلس على الرصيف متهدّل الوجه، بائساً يفكر بما جرى له، بحل، بطريقة يستعيد فيها سيارته، إنها مصدر رزقه الوحيد في هذه الأيام القاسية، في تلك الأثناء قطع شروده صديق قديم في البلدة، توقّف أمامه، أطفأ دراجته النارية، وجلس بقربه يستفسر سبب مكوثه هنا وسبب حزنه، فأخبره “أبو العبد” بقصته، اقترح عليه الصديق أن يذهب إلى مدينة “..”، إنها كما يعرفها الجنوبيون واحدة من أكثر المدن فوضى وتمرداً:
– سأرسلك إلى (ن) إنه قائد مجموعة مسلحة ممن أجروا اتفاق تسوية وهناك قل له قصتك وسيساعدك في استعادة سيارتك.
استفسر “أبو العبد”:
– وكيف سيساعدني؟
فأجابه صديقه بصوت خافت:
– كثير من اللصوص في المنطقة يختبؤن في تلك المدينة، إنها ليست بالمدينة الكبيرة، لكنها تخلو من سلطة القانون، إنه وجماعته يعرفون الشاردة والواردة، خذ مني النصيحة واذهب إليه الآن.
بالفعل عزم “أبو العبد” على نصيحة صديقه، فقام بإعارته دراجته النارية للذهاب إليه، ركب “أبو العبد” دراجة صديقه وانطلق للمدينة، كانت الشمس تقترب من الزوال ففكر “أبو العبد” بالمرور أولاً على قريب له في المدينة ليشاركه الطريق إلى المدعو (ن) علّه يكفله أمامه، وبالفعل، استقبله قريبه بحفاوة، وحكى له قصته ووجهته، فأجاب القريب دعوة “أبو العبد”، لبس حذائه وخرجا من المنزل، نظر “أبو العبد” في المكان حيث وضع دراجة صديقه التي استعارها منه فلم تكن في مكانها، فطلب “أبو العبد” الفزعة من قريبه الذي صرخ على ولديه طالباً منهما البحث في الأحياء على دراجة “أبو العبد”، ركب الشابان دراجتهما وانطلقا في جهة في حين ركب “أبو العبد” وقريبه في سيارته وانطلقا في جهة أخرى علّهما يتمكنا من اللحاق باللصوص واستعادة الدراجة.
جال المسكين هو وقريبه جميع أرجاء المدينة، يدعو الله أن يجد دراجة صديقه الذي اِئتمنه عليها، في تلك الأثناء سقطت عينا أبو العبد على دراجة نارية منكفئة على الرصيف، ترجلا من السيارة من فورهما وراحا يركضان إلى المكان فكان بالقرب من الدراجة النارية شابان ينزفان وملقان على الأرض، إنهما أولاد قريبه ممن كانا يبحثان عن اللص اصطدما بعارضة الطريق، تم اسعافهما على الفور، دخل أحد الشبان في غيبوبة والآخر كسرت ساقه.
اقرأ أيضاً: سرقوا سيارته وباعوها له… زيادة نسبة السرقات وتنوعها