انخفاض عدد المرشحات السوريات… انعكاس لواقع مجتمعي كرسته السلطة
تفوّق عدد الناخبات لايمنحهن فرصة التمثيل الحقيقي…قوائم المرشحين تفتقد للإناث
سناك سوري – غرام عزيز
أظهرت قوائم أسماء المقبولين للترشح لانتخابات المجالس المحلية المقررة في الـ16 من شهر أيلول القادم فارقاً كبير في عدد النساء المرشحات مقارنة بعدد الرجال، هو مايعكس غياب التمثيل الحقيقي لما يزيد عن نصف أبناء المجتمع السوري الذين تمثلهم النساء من مختلف الشرائح الاجتماعية والأعمار.
ووفقاً للبيانات التي رصدها سناك سوري فإن قوائم مدينة “جبلة” التي ضمت 52 مرشحاً منهم 5 فقط نساء في حين بلغ عدد النساء المرشحات في قطاع منطقة “شهبا” بمحافظة “السويداء” 5 فقط من أصل 219 مرشح، مع الإشارة إلى تعذر رصد عدد الشاب والنساء في قوائم بعض المحافظات لعدم وجود إحصائيات لدى اللجان الانتخابية حول هذا الموضوع.
وفي محاولة منّا للبحث عن أسباب غياب النساء عن القوائم الانتخابية وإيجاد الطرق الكفيلة بتحسين نسبة مشاركتهن أجرينا عدة لقاءات وحصلنا على النتيجة التي نضعها بين أيديكم.
“العينية” تتحدث عن دور كبير للمجتمع والعادات والتقاليد
نساء “سوريا” غائبات و مُغيبات عن القيام بالدور المنوط بهن في بناء وتنمية مجتمعاتهن المحلية بفعل أسباب كثيرة ومتنوعة دفعتهن للعزوف عن ممارسة حقهن بالترشح و هو ما أوضحته “ياسمين العينية” مديرة ملتقى “سوريانا للسيدات” في حديثها مع سناك سوري، تقول “العينية”:«إن أسباب قلة المشاركة تعود للمجتمع و العادات و التقاليد الموروثة التي ساهمت في سلب الفتاة حقها في اتخاذ القرارات المتعلقة بأمورها الشخصية، إضافة لانتشار الزواج المبكر و قلة التعليم وابتعاد الفتيات عن المهن التي تتسم بالذكورية كالمجال السياسي مثلاً».
العوامل المجتمعية و القيود العائلية وضعت الفتاة ضمن قوقعة ضيقة منعتها من المشاركة ليس فقط على مستوى الترشح للانتخابات بل أيضاً على المستوى المهني و المجتمعي حسب “العينية” التي رأت أن المجتمع المحلي لا يطالب بزيادة حصة النساء في مواقع صنع القرار و منها المجالس المحلية و البرلمان و بالتالي عدم تفعيل أدوارهن الحقيقية.
محدودية دور المجتمع المدني
“العينية” تحدثت عن عدم وجود حركة نسوية مستقلة على مستوى “سوريا” تشجع المرأة على الخوض في المجالات المجتمعية و الاقتصادية و السياسية، إضافة لمحدودية دور منظمات المجتمع المدني التي تنتشر في مختلف المحافظات ولكنها لم تأخذ الصفة الرسمية وتمثيلها مازال خجولاً.
المجالس المحلية بوضعها الحالي لن تحقق النتائج المرجوة منها على المدى القريب وهو مايتطلب برأي “العينية” الشفافية والتشاركية لكافة مكونات المجتمع مع مراعاة المؤهلات لكل من المرأة و الرجل و العمل على تطبيق “كوتا” نسائية بنسبة تصل إلى 50 %، إضافة لإطلاق برامج وطنية شاملة لتشجيع النساء على الترشح.
ضعف الوعي الانتخابي والتثقيف لدى السيدات من أسباب عدم الإقبال على الترشح وللإعلام دوره أيضاً.
بدورها “حمامة محمد” رئيس مجلس إدارة جمعية “إيد بإيد سوريا أقوى” قالت لـ سناك سوري:«إن انخفاض نسبة المرشحات يعود لضعف التثقيف بدور المرأة في العمل المحلي فأغلب السيدات ليس لديهن وعي حول موضوع المجالس المحلية، و هي كمدرسة وناشطة في العمل المجتمعي لم يخطر ببالها الترشح، مؤكدة ضرورة تفعيل دور الاعلام بمجال التوعية وتوجيه النساء للاقبال على الترشح بشكل مباشر وبكل الاختصاصات».
للمرأة دور كبير
طبيعة المجتمع الريفي والمرأة بحد ذاتها سببان يحدان أيضاً من إقبال النساء على الترشح حسب رأي الناشط في المجتمع المدني”شادي صعب” حيث يقول لـ سناك سوري:« إن الصور النمطية السلبية التي يشكلها المجتمع الريفي حول ترشح المرأة تحديداً للمشاركة بالشأن العام واقتصار هذا الدور على الرجال فقط يشكل عائقاً وتحدياً أمام فرص الترشح والوصول للمرأة، كما أن المرأة تقف في كثير من الأماكن ضد حقوقها نتيجة تكريس النظرة الرجعية لممارسة حقها الطبيعي في المشاركة السياسية وهو امتداد لما أفرزه المجتمع بعاداته وتقاليده وأعرافه».
دور المجتمع المدني
ويرى “صعب” أن دوره كناشط في بناء المجتمع المدني يفرض عليه العمل لتعزيز دور النساء في الشأن العام وبناء قدراتهن ودعمهن بالتثقيف السياسي المطلوب إضافة إلى العمل على إحداث تغيير في آليات التفكير المجتمعي والتي تشكل تحدي أمام ترشح النساء وخوض الانتخابات، وتقزيم الصور النمطية السلبية الراسخة في المنظومة الثقافية المحلية حول ترشح المرأة وقدرتها على القيادة والتأثير، لأن التحدي الأكبر ليس في إقناع النساء بضرورة الترشح وخوض سباق الانتخابات، وإنما برفع وعي المجتمع وتحفيزه للتصويت للمرشحات من النساء ودعمهن للوصول إلى مراكز صنع القرار والقيادة.
غياب الثقة بدور المجالس المحلية الذكورية فكيف سيكون حال النساء ؟
رئيسة مجلس الأمناء في مؤسسة “بالميرا” لرعاية المرأة والطفل في “سوريا ” “إخلاص غصة” اتهمت المجالس المحلية بالفساد ووصفتها بأكبر بؤرة للفساد الإداري والتنظيمي، مؤكدة في حديثها مع سناك سوري عدم فعالية المجالس المحلية وعدم ثقة الرأي العام بعمل المجالس المحلية الذكورية، إضافة لعدم وضوح دور المجالس المحلية لأغلب المترشحين والحاجة لدورات تعريف بآلية عمل المجالس المحلية التي تحتاج مستوى عالي من الإدارة والتنظيم.
السلطة كرست الدور المحدود للنساء:
ساهمت السلطة في سوريا وحزب البعث بمحدودية دور النساء فيما يتعلق بالمجالس المحلية والعملية الانتخابية وحتى في مواقع القرار، فعلى سبيل المثال في القيادة القطرية لحزب البعث امرأة واحدة دائماً، وكذلك مثلاً المجالس المحلية كل مجلس قوائم الحزب تضم إمرأة أو اثنتين على أبعد تقدير، وكذلك في فروع الحزب كل فرع يضم امرأة واحدة، هذا الواقع الذي تعيشه سوريا منذ عقود وعلى امتداد سيطرة الحزب على الدولة والمجتمع كرس الدور المحدود للنساء في الترشح والانتخاب وحتى في التعيين.
تغييرات كثيرة طرأت على المجتمع السوري خلال سنوات الحرب فرضت على المرأة المزيد من الأعباء من ناحية العمل فهي شريكة الرجل في الإنتاج خارج المنزل وهي المرأة التي جعلت الحرب منها أماً وأباً في آن معاً، دون أن يؤثر ذلك في دورها برعاية الأبناء، لكنها للأسف لم تحظى بفرصة ممارسة حقها في الترشح وربما الانتخاب أيضاً بالرغم من حالة النضج السياسي التي وصلت إليها ويمكن القول إن قضية النهوض بها تُعد من أعقد وأصعب القضايا في مجتمعاتنا الشرقية.
وتحظى نساء “سوريا” الناخبات اليوم بفرصة الحصول على تمثيل أوسع في الانتخابات القادمة من خلال اختيار مرشحيهم من النساء اللواتي قد يحملن مبادئهن وأفكارهن وأحلامهن بما يسهم في تغيير كل ما يحد من منح المرأة حقوقها التي تناسب مع كل الواجبات التي تقوم بها على صعيد الأسرة والمجتمع معاً.
اقرأ أيضاً: ارتفاع عدد الناخبات السوريات… فرصة النساء للحصول على تمثيل أوسع
*هذه المادة أعدت بالتعاون مع حملة#دورك