امرأة أنهت حرباً .. حضور النساء في الحوار السوري يزيد فرص السلام المستدام
ليما غبوي نموذجاً لصانعات السلام .. والمرأة السورية في تحدّي الانتقال السياسي

لم يكن لأحد أن يتخيّل إنهاء حرب “أهلية” دامت 14 عاماً على مرحلتين وأودت بحياة مئات الآلاف من البشر عبر مظاهرات وأنشطة نسائية لا عنفية أثبتت قدرة النساء على بناء السلام من رحم الصراع.
سناك سوري _ دمشق
في أقصى غرب القارة الإفريقية، تقع “ليبيريا” على ضفاف المحيط الأطلسي حيث وجدت نفسها محكومة بالصراع الأهلي منذ العام 1989، في جولة أولى من الحرب توقفت عام 1996 لكنها ما لبثت وأن عادت بجولة جديدة بحلول عام 1999.
وفي خضم الحرب الأهلية الليبيرية الثانية، خلقت منظمة “المرأة من أجل السلام والأمن” التي قادت حراكاً نسائياً يرفض الحرب ويدعو للسلام، ووقف بصلابة في وجه أمراء الحرب الأهلية لوقف واحدٍ من أكثر الصراعات الدموية في “إفريقيا”.
كانت “ليما غبوي” واحدة من أبرز قيادات المنظمة، حيث آمنت بالسلام وقدرة النساء على تحقيقه، لينطلق نشاط نسائي لا عنفي في البلاد وقفت خلاله النساء في الشوارع رغم ظروف الحرب ليعلنَّ موقفاً رافضاً لاستمرار الموت اليومي.
من أجل التغيير افعلوا شيئاً واحداً، شيئاً يخاف الآخرون الإقدام عليه ليما غبوي
صبرت “غبوي” ونساء “ليبيريا” طويلاً وتمتّعن بالكثير من الإصرار على مواصلة التحركات السلمية لإثبات حضورهنّ وفرض موقفهنّ الداعي لإنهاء الحرب، ونجحن بعد سنوات من المثابرة في انتزاع وعد من الرئيس الليبيري “تشارلز تايلور” بحضور محادثات السلام، إلى جانب الضغط على معارضيه كذلك لخوض المحادثات.
وفي ظل صعوبة ظروف المفاوضات وتعنّت الأطراف المتحاربة، وقفت نساء المنظمة بقمصانهنّ البيضاء التي تحمل رمز السلام ومنعنَ خروج وفود المتفاوضين، وصمدنَ أمام محاولات الاعتقال والضرب، إلى أن أثمر نضالهنَّ عن توقيع اتفاق سلام أنهى الحرب في بلادهنّ.
نالت “ليما غبوي” بعد ذلك جائزة نوبل للسلام لدورها الريادي في إنهاء الحرب بما يشبه المعجزة، وواصلت إيمانها بدور المرأة في صناعة السلم الأهلي ونبذ العنف، ودعواتها للمساواة بين الجنسين في كافة المجالات حيث تقول: “من أجل التغيير افعلوا شيئاً واحداً، شيئاً يخاف الآخرون الإقدام عليه”.
لا تعتبر “ليما غبوي” نموذجاً وحيداً لامرأة قادت صناعة السلام في بلدها، لكن إنجازها يعدّ ملهِماً للنساء حول العالم في قدرتهنّ على تحقيق ما يراه البعض مستحيلاً، لا سيما في الأزمات المعقّدة التي تصل لطرق مسدودة.
النساء في الحوار السوري
تختلف سياقات الأزمات بدون شك بين بلد وآخر، ولكن تتبّع مشاركات النساء في عمليات بناء السلام يظهر أنهنّ لعبن في الكثير من دول العالم مثل “إيرلندا الشمالية، كولومبيا، نيجيريا، اليمن، البوسنة والهرسك” وغيرها، أدواراً محورية في الوصول إلى اتفاقات سلام وإنهاء الصراعات الداخلية.
وفي السياق السوري، لعبت المرأة دوراً أساسياً سواءً في النضال ضد النظام البائد الذي دفعت ثمناً مضاعفاً له بتعرّضها للأذى المباشر عبر الاعتقال والتعذيب وحتى التصفية الجسدية، أو للأذى الموازي بفقدانها لأبنائها أو زوجها أو أخوتها أو أيٍّ من أفراد أسرتها.
لكن السوريات لم يستسلمن في ذروة الموت اليومي والدمار الشامل وانقطاع سبل الحياة، حيث يذكر تقرير للأمم المتحدة عام 2022 مثالاً على دور النساء السوريات في حل النزاعات، حين قامت النساء في مدينة “الزبداني” بالتفاوض مع قوات النظام التي حاصرت المدينة لحماية أزواجهنّ الذين حملوا السلاح في صفوف قوات المعارضة، ويشير التقرير إلى أن النساء في “الزبداني” استطعن لفترة من الوقت حماية المدنيين وإجلائهم قبل انهيار وقف إطلاق النار.
كما كانت المرأة السورية حاضرة على طاولة المفاوضات سواءً في اللجنة الدستورية أو هيئة التفاوض، فضلاً عن المجلس الاستشاري النسائي الذي أنشئ عام 2016، حيث تشارك فيه 17 سيدة انطلاقاً من التزامهنّ بالحوار مع جميع الأطراف ودعم ومناصرة حقوق المرأة ودعم جهود تحقيق التسوية السياسية العادلة التي يتطلّع لها الشعب السوري.
وتظهِر نماذج الدول الأخرى أهمية الحضور النسائي في عملية الانتقال السياسي وتحقيق المصالحة الوطنية كجزء من العدالة الانتقالية وصولاً إلى استقرار مستدام للبلاد التي عانت على مدى 14 عاماً وتبحث عن أملٍ لاستعادة أنفاسها في الأفق المنظور.