الرئيسيةرأي وتحليل

الهوية الرياضية بعيدة عن الهوية السياسية – ناجي سعيد

الكاتب: فوز أميركا على إيران لا يعني فوز الإمبريالية على محور الممانعة

تنقسم الهويّة إلى عدّة أجزاء، والأجزاء هذه تأتي على شكل دوائر انتماء. فلا ينحصر الإنسان بدائرة واحدة أو اثنتين. ولا يضرّ هويته أبدًا لو اختلفت الدوائر، شرط أن تنضوي تحت سقف الدائرة الأكبر والتي تشمل جميع الدوائر، ألا وهي “الإنسانيّة”.

سناك سوري-ناجي سعيد

فالانتماء لدائرة الإجرام هو حالة مرضيّة ولا علاقة لها بدائرة الإنسانيّة. ولو خفّفنا الكلام على المستوى السلوكي، فيمكننا القول بأنّ التنمّر والاستهزاء بالآخر والسخرية منه يخرج من دائرة الإنسانيّة. فالجزء المكوّن لهويّتي من الناحية الصحّية، وهو دائرة انتمائي إلى “النباتيّة” “vegetarian”، لا تعني قطع علاقاتي وأخذ موقف ساخر من أكلة اللحوم! فهذا شأن خاصّ بي لا أفرضه على أحد.

ودائرة الإنتماء لها أسباب ومبرّرات جعلت المرء ينتمي لها، والعقلانية هي من تحكم هذا الأمر. فلا يعني إن وُجدتُ داخل فئة، بيولوجيًّا او مجتمعيًّا.. أن أُغمض عينيّ عن أخطاء من يشاطرونني الدائرة المذكورة!.

في الثمانينيات كنت معجبا ببطولة “مارادونا” عاطفيًّا: أوّلًا لأن أخي الأكبر كان يشجّع الأرجنتين، وثانيًا كنت في سنٍّ يميل إلى مفهوم البطولة والفوز. وفي حديث جانبي في الجامعة أقنعني الدكتور جورج زيناتي (رحمه الله) بأن شرح لي طريقة لعب الفريق البرازيلي، والتي تعتمد باختصار على التمريرات القصيرة للوصول إلى الهدف، وهذا ما يشبه فلسفة ديكارت بتقسيم أي مشكلة إلى مشكلات صغيرة للوصول إلى الحلّ.

اقرأ أيضاً: الكذب الذي تنشره الميديا وتعززه وسائل الإعلام – ناجي سعيد

أمّا الطريقة الألمانيّة، فتعتمد على قطع مساحات الملعب الكبيرة بتمرير الكرة “بباصات” طويلة. ودراستي الفلسفة جعلتني أفهم أنّ التعاطي مع المسائل بشكل عام لا يغفل عن ملاحظة التفاصيل الصغيرة. فالقضيّة تكمن في التفاصيل! وخبرتي المهنيّة، جعلتني أتعمّق في البحث عن ماهيّة “الهويّة”.

ولا شكّ في أنّ الحكم في مباراة “أميركا وإيران” لن يأخذ بعين الإعتبار سياسة الدولتين التي تحملان هويّتان مختلفتان سياسيًّا في تعاطيهما مع شعبها! فثورة الشعب الإيراني على ظلمٍ يعانوا منه، لا يعطيها الحقّ بأن تفوز في المباراة إن افتقد لاعبوها لمهارات وخطط تخوّله الفوز. وفوز أميركا لا يعني فوز الإمبرياليّة على الشعب المقهور! ولا يعني تشجيعي للبرازيل رياضيًّا، تشجيع سياستها لو ظلمت شعبها.

فدائرة “الرياضة” لا دخل لها بدائرة الإنسانيّة. ولو لم تبذل جهدًا الدولة الفقيرة أو الظالمة الدكتاتوريّة لتُعدّ فريقًا يليق بمشاركتها ببطولة كأس العالم، لن تفلح أبدًا. فلا علم لأحد عن أوضاع دولة المغرب سياسيًّا واجتماعيًّاـ بل كلّنا يعلم الآن بأن الدولة العربية التي تأهلت إلى الدور الثاني هي المغرب! وبالتالي فهويّتها الرياضية جيّدة وذات مستوى مقبول عالميًّا.

وما جعلني أكتب هذا المقال، هو الضجّة القائمة على متن وسائل التواصل الإجتماعي (الفايسبوك) والمليئة بالتنمّر والسخرية والإهانات من الفرق، ولكنّ الإهانة ترتكز على سياسة الدولة المشاركة وليس على مستوى فريقها الرياضي.

فالتعليقات على المباراة المذكورة أعلاه، تظهر كأن فوز أميركا على أيران، كأن الإمبرياليّة فازت على محور الممانعة كما يُدعى!! إنّما الحقيقة بأن المنتخب الأميركي بذل جهدًا واضحًا وفاز في مباراة وتأهّل لدورٍ جمعه مع دولة عريقة كرويًّا وبارزة أوروبيّاً.. فلم تفلح الإمبرياليّة في الفوز على “الحشيشة” الهولنديّة، وهكذا نستنتج بأن الهويّة ليست واحدة، فدائرة الرياضة في هولندا أفضل منها في أميركا.

وأخيرًا لا يعنيني “كنباتي” لو ساعدت أصدقائي في توليع الفحم وشوي اللحم، فلن أشاركهم الأكل. وسأبقى مُشجّعاً للبرازيل، وهذه قناعتي التي لا علاقة لها بعملي مع جمعيّة ألمانية!.

اقرأ أيضاً: الزواج والتربية اللاعنفية -ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى