أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليلسناك ساخن

النقابات في سوريا .. من النشأة وحتى تهديد استقلالها بقرارات حزبية

استقلالية النقابات من الحرص على تطبيق الدستور وحماية المنتسبين لها

أثار قرار القيادة المركزية لحزب البعث إعفاء نقيب المهندسين الزراعيين من مهمته وتعيين آخر بدلاً منه جدلاً عبر وسائل التواصل حول مساسه باستقلالية النقابات.

سناك سوري _ فراس سلمان

حيث تساءل العديد من المتابعين عن مدى مشروعية القرار وعن القوانين الناظمة لعمل النقابات، كما أثيرت تساؤلات عن أهمية استقلالها.

مفهوم النقابة وأهميتها

عرّف الدكتور “محمد عابدين” في كتاب “القانون الإداري” النقابة بأنها تنظيم ذو شخصية اعتبارية مستقلة يؤلفه عمال أو موظفو مهنة أو صناعة معينة بهدف الدفاع عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية.

فحماية حقوق العاملين والرقابة والتوجيه والمتابعة والإشراف على كل ما يتعلق بمصالح العمال. كالمطالبة بالأجور العادلة والطبابة والساعات المعقولة للعمل وظروف العمل الآمنة .تشكل أولى مهام النقابات بالإضافة إلى دعم من يحتاج من أعضائها ومتقاعديها. وبالتالي تساهم النقابات في تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة المواطنين.

«يؤلف المهندسون الزراعيون العاملون في الجمهورية العربية السورية نقابة واحدة مركزها مدينة دمشق وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والاداري وتخضع لأحكام هذا القانون» القانون 18 لعام 2018

 

كما تمكّن النقابات العمال من التفاوض الجماعي مع أصحاب العمل مما يعزز من قوة العاملين في مواجهة أصحاب رؤوس الأموال. وتوفر بعض النقابات برامج تدريبية وتطويراً مهنياً لأعضائها، مما يساهم في تحسين مهاراتهم وإنتاجيتهم.

ومن جهة أخرى فليست كل أدوار النقابة مطلبية. فهي تشارك في صنع القرار السياسي والاقتصادي من خلال المشاركة في اللجان الحكومية والتشريعية ذات الصلة بأعضائها لضمان أن تؤخذ مصالحهم في الاعتبار.

كما تلعب النقابات دورًا في الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية كحرية التعبير والتجمع السلمي خاصة بالنسبة لأعضائها.

نشأة النقابات

جاء ظهور النقابات العمالية في أوروبا في القرن التاسع عشر كرد فعل على ظروف العمل السيئة والاستغلال الذي كان يواجهه العمال في ظل الثورة الصناعية. ومن ثم انتشرت النقابات بشكل واسع في أوروبا والولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وأصبحت تمثل قوة سياسية واقتصادية مؤثرة، حيث كان للحركة النقابية دور كبير في تحسين ظروف العمل وحماية حقوق العمال وتطوير التشريعات العمالية خلال القرن العشرين.

أما في العالم العربي فقد ظهرت النقابات العمالية في بداية القرن العشرين تحت تأثير الحركات الوطنية. وفي “سوريا” تم إنشاء نقابة المحامين برئاسة “فارس الخوري” عام 1920. ومن ثم ظهرت النقابات والاتحادات تباعاً بعد دخول الاحتلال الفرنسي مثل الاتحاد النسائي السوري وبعض الحركات الطلابية التي كانت منتشرة في المدارس وفي جامعة دمشق إبان تأسيسها عام 1923 .

وتبلورت الحركة العمالية في نهاية العشرينيات. حيث كان دور النقابات والاتحادات المُشكَّلة في تلك الفترة الوقوف في وجه قرارات الاحتلال ودعم الحركة الوطنية، وتطوّر الدور النقابي والمجتمعي ليُصبح مُتقدماً على التيارات السياسية المنتشرة. حيث تمسَّك الحراك الطلابي في دمشق بالإضراب الستيني -نسبة لاستمراره ستين يوماً- على الرغم من تراجع الكتلة الوطنية عنه. وصولاً لأول مؤتمر للنقابات انعقد في دمشق في أواخر عام 1938 والذي طالب الحكومة بالاعتراف بالنقابات وبحقوقها، وتم إصدار قانون اعترفت السلطة فيه بنشاط النقابات العمالية تحت ضغط الحركة العمالية والنقابية.

وبعد استقلال العديد من الدول العربية حوالي منتصف القرن العشرين تطورت الحركة النقابية العربية. كما بدأت مساعي الأنظمة السياسية لإخضاع النقابات للرقابة والسيطرة. حيث شهدت الحركة النقابية العربية تراجعًا في بعض الدول خلال العقود الأخيرة نتيجة للتحولات السياسية والاقتصادية. وكذلك نتيجة التشريعات المقيدة لحرية العمل النقابي، فما هي التشريعات الناظمة للعمل النقابي.

الأبعاد الدستورية والقانونية للنقابات

تحتوي الدساتير عادة على فقرات تنص على حرية واستقلال العمل النقابي، وهذا ما تضمنه الدستور السوري النافذ (دستور 2012) خلافاً للدستور السابق. حيث نصت المادة (10) الواردة ضمن الفصل الأول من الباب الأول منه تحت عنوان “المبادئ الأساسية”. والتي اعتبرت أنَّ مبدأ استقلالية النقابات المهنية هو أحد المبادئ الدستورية الأساسية التي تقوم عليها الجمهورية العربية السورية، وذلك بقولها الواضح والصريح: «المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات، هيئات تضم المواطنين من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أعضائها، وتضمن الدولة استقلالها وممارسة رقابتها الشعبية ومشاركتها في مختلف القطاعات والمجالس المحددة في القوانين، وذلك في المجالات التي تحقق أهدافها، ووفقاً للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون».

وبناءً على أحكام الدستور تشرع القوانين الناظمة لتنظيم عمل كل نقابة. فعلى سبيل المثال نقابة المهندسين الزراعيين تم تنظيمها بالقانون رقم 8 لعام 2018 الناظم لمهنة الهندسة الزراعية.

حيث جاء في المادة /3/ منه «يؤلف المهندسون الزراعيون العاملون في الجمهورية العربية السورية نقابة واحدة مركزها مدينة دمشق وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والاداري وتخضع لأحكام هذا القانون».

كما حدد القانون أهداف النقابة وطريقة تشكيل هيئتها الإدارية وحصر صلاحية سحب الثقة من النقيب أو من مجلس النقابة بالمؤتمر العام للنقابة. مما يعني بأن قرار الحزب الحاكم إنهاء مهام نقيب المهندسين الزراعيين وتعيين بديله يشكّل خرق ليس من صلاحيات حزب البعث. ولضمان الدولة لاستقلال النقابات المنصوص عليه في الدستور السوري وهنا يأتي السؤال عن أهمية استقلال النقابات!!.

ما أهمية استقلال النقابات في سوريا

لقد أجابت لجنة الحريات النقابية في منظمة العمل الدولي على هذا السؤال بأن غاية إنشاء النقابات هو حماية أعضائها وليس محاباة السلطات أو الخوف من تأثيرها. ومع إقرار منظمة العمل الدولية بوجوب أن تنظم التشريعات الوطنية مسائل تكوين النقابات، فقد أكدت من جهة ثانية بضرورة أنه لا يجوز لهذه التشريعات أن تناقض أو تحد من الضمانات المقررة لممارسة الحرية النقابية وفقاً لأحكام الاتفاقية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي.

وذلك من منطلق أن النقابات تتمتع بامتيازات القانون العام حتى تتمكن من القيام بواجباتها المرتبطة بالصالح العام وخدمة أعضائها. فتملك سلطة إصدار قرارات إدارية يلتزم بها جميع الأعضاء. ولذلك لابد لاستكمال قوة الجسم النقابي أن يكون هذا الجسم مستقلاً بالقدر الكافي الذي يحفظ له أهدافه، وعدم تبعيته لجهات معينة، سواء كانت سلطوية أم غيرها. ومن أبرز المقومات التي يمكن أن تدعم استقلال النقابات هي حق النقابات في ممارسة نشاطها دون إذن مسبق، ومن ثم الحق في وضع النظم الأساسية واللوائح الداخلية للنقابات من قبل مؤسسيها في فقرة ثانية، وأيضاً حق النقابة في اختيار قياداتها.

النقابة تعرّف بأنها تنظيم ذو شخصية اعتبارية مستقلة يؤلفه عمال أو موظفو مهنة أو صناعة معينة بهدف الدفاع عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية كتاب القانون الإداري للدكتور محمد عابدين

عموماً فإن اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأمم المتحدة تتلقى من الدول الموقعة ومنها “سوريا” تقارير دورية عن هذه الحقوق. وقد كان للجنة تعليقات على العمل النقابي في “سوريا” مثل إعاقة الحق في إنشاء نقابات عمالية مستقلة خارج الاتحاد العام لنقابات العمال. كما أعربت عن قلقها إزاء القيود المفروضة عملياً والمبلَّغ عنها من قبل منظمة العمل الدولية فيما يتصل بحق الإضراب. مثل فرض العقوبات، بما في ذلك السجن، مما يشكل تخلفاً من جانب الدولة الطرف عن الوفاء بالتزامها بموجب المادة 8 من العهد.

وختاماً فإن الحرص على تكريس استقلال النقابات ينبع أولاً وأخيراً من الحرص على سلامة تطبيق مواد الدستور السوري وأهميتها بالنسبة للمنتسبين لها ودورها المحوري في حمايتهم ودعمهم وحتى تنميتهم وتطويرهم وتحسين أدائهم. وليس من المطالبات الأممية بذلك.

 

زر الذهاب إلى الأعلى