الرئيسيةسوريا الجميلةشباب ومجتمعشخصيات سوريةعلمهم بمحبة

المُعلمة زينة المير… حملت طالبتها بيد وحاكت فُستان الأخرى بالثانية

المُعلمة "زينة المير محمود" من القلم إلى الإبرة

تبدو مهنة التدريس عند المعلمة “زينة المير محمود” وكأنها مهنة “التوريث” فعندما كانت طالبة بالصف التاسع ضمن مدينة مصياف عام 1964 دَرست حصة الخياطة في صفٍ لإحدى المعلمات اللواتي تقدم معلوماتها بشكل محبب للطلاب وكانت هذه المعلمة محط إعجاب “المير”، وباللاشعور تحولت الأخيرة إلى معلمة وختمت مسيرتها بالخياطة فهل التعليم يورث؟.

سناك سوري – خاص

التحقت “المير محمود” عام 1965 بدار المعلمات وهو العام الذي حصلت فيه على شهادة التاسع واستمرت فيه حتى العام 1969 الذي كان موعد دخولها رسمياً في عالم التدريس كواحدة من أوائل المعلمات في منطقتها، تقول “محمود” في حديثها مع سناك سوري في تلك اللحظة أذكر جيداً أن كل ماحلمت به هو «أن أكون امرأة مفيدة لمدينتي و أبنائها و ساعدني في ذلك إيماني بأن المعرفة قوة لا حدود لها، واكتسابها يجب أن لا يقتصر على مرحلة عمرية معينة».

اقرأ أيضاً: لبنى عبيد.. المُعلمة التي لا تؤنب الطالب الكسول

تجربة المعلمة القادمة من ريف حماة الجبلي القاسي والظروف كانت مليئة بالحنان واللطف الذان يعكسان طيبة قلبها ويرفضان عكس قساوة ظروف الحياة في ذلك الريف بتلك الحقبة من الزمن، تقول “المير محمود” إنها درّست تحديداً تلاميذ المرحلة الابتدائية بكل صفوفهم خلال مسيرة بدأتها بالمدرسة “الجعفرية في مصياف وختمتها بالمدرسة “المحدثة”.

ظروف التعليم في تلك المرحلة كانت صعبة جداً وتفتقد للتحضير وإعداد التلاميذ سواء في المنزل أو في الروضة التي لم تكن موجودة حينها، تشرح “المير محمود” «في إحدى السنوات الأولى لي، تم تسليمي شعبة ضمت 52 طالباً، حينها كان الطفل يدخل المدرسة دون أن يعلم ما هو القلم أو الدفتر أو ماذا سيصادف هناك، فكان من واجبنا استلامهم و إعدادهم بشكل كامل و تحمل مزاج الطالب الجديد و العمل بشكل جدي لغرس محبة المدرسة و توصيل المعلومات له ليتعلمها حقاً، بعدها تطورت الأمور قليلاً و تأسست الروضة التي علمت الأطفال القواعد الأولى من التعليم لتسهل الأمور علينا لاحقا وكذلك تطور الأهل وزادت معارفهم التعليمية».

اقرأ ايضاً:“سميحة عبود”.. المعلمة التي لامست الفضيلة

من المواقف التي تستعيدها “المير” هي تلك التي تتعلق بدور المعلم الذي لا يقتصر على التدريس في الصف بل على فهم احتياجات التلاميذ، تروي لـ سناك سوري إحدى القصص الظريفة:« كانت إحدى طالباتي ذات حجم صغير ولم يكن بمقدورها الوصول إلى اللوح للكتابة فقمت بحملها لتكتب، فطلب أضخم طالب في الصف أن أقوم بحمله أسوة بزميلته، فما كان مني إلا أن قمت بذلك لإرضائه و تحقيق رغبته».

امتازت “المير محمود” برأي من عاصروها ودرسوا في صفوفها بأنها كانت شعلة من الحماس ولم يستطع عملها اليومي تحويلها لمدرسة روتينية، تعلل ذلك في حديثها مع سناك سوري«الطلاب الذين صادفتهم خلال مسيرتي المهنية كانوا سبباً في ديمومة الحماسة بداخلي، فقد ابتكروا كل ما هو جديد من خلال أسئلتهم و قصصهم التي انتزعت من داخلي شعور الملل جراء تكرار المنهاج كل عام ».

ماذا ترك التدريس عند المعلمة؟ تجيب « اكتسبت المزيد من الليونة في التعامل و تطوير معلوماتي بشكل متواصل، فالتعامل مع الطلاب بمختلف طاقاتهم وقدراتهم ومراعاة الاختلاف في المستويات يحتاج كمية مضاعفة من الصبر، مما انعكس بدوره على نفسيتي خلال الحصة الدراسية و خلق جو تفاعلي بيني وبين طلابي لتنتهي الحصة دون أن نشعر» معربةً عن فرحتها بما تراه في أعين طلابها من احترام لها حتى الآن .

المعلمة زينة المير محمود

وقفت “المير محمود” أمام طلابها في الصف، 27 عاماً وكانت تأمل في المزيد إلا أن عارضاً صحياً منعها من الاستمرار، تقول لـ سناك سوري عن وداع التدريس: « أصبت بتحسس رئوي من مادة الطباشير، و تفاقمت الحالة لأطلب نقلي إلى عمل إداري قوبل بالرفض، فما كان مني إلا أن أقدم استقالتي في عام 1996، و توجهت لمهنة أخرى هي” الخياطة “».

التدريس رافقها إلى مهنتها الجديدة التي ورثتها فعلياً عن معلمتها التي أشرنا إليها في المقدمة، تتذكر موقفاً حصل معها أثناء تجربة الخياطة:«عندما باشرت بالخياطة جاءني اتصال هاتفي من إحدى الفتيات طلبت مني أن أحيك لها فستان زفافها ، لأفاجأ بأنها طالبتي التي أجابتني ذات مرة عن طموحها أنها تحلم أن تكون “عروس”».

من خلال هذه المدة الطويلة بالتدريس كونت الآنسة “زينة” شبكة من العلاقات الوطيدة مع أهالي طلابي،الذين وثقوا به جراء ما سمعوه من أبنائهم عن حسن معاملتها و نتائج دراسية مرضية منهم. لتؤكد أم مصطفى ربة منزل 62 عاما من مدينة مصياف « درست الآنسة “زينة” أولادي الثلاثة ولا أذكر أني عانيت من أي إشكال دراسي معهم ،فقد كانوا في قمة محبتهم للدراسة، فهم يشعرون بالفائدة أثناء تقديم المعلومات من قبلها».

تقدم لنا تجربة المُعلمة “زينة المير محمود” مثالاً عن أثر المعلم في حياة تلاميذه، أثراً يجعله يحب المادة ويمتهن محتواها لاحقاً، أثراً قد يُكرّهه بالمدرسة كلها، أو يجعله حتى يسعى ليكون مدرساً أو مدرسة، إلى المعلمين والمعلمات الذين كانوا مثالاً لتلاميذهم وعلموهم بحب وكانوا حملة رسالة كل عام وأنتم بألف خير.

اقرأ أيضاً: نجاح الخطيب.. غادرت الحياة تاركة ذكرى ستعيش طويلاً

زر الذهاب إلى الأعلى