قبل حوالي 15 عاماً ذهبت إلى صحيفة محلية في منطقتنا وأردت أن أحصل على فرصة الكتابة فيها، وبعد عناء شديد استطعت لقاء رئيس التحرير فهو الآمر الناهي بالجريدة آنذاك. عرفته بنفسي وقلت له أرغب في العمل معكم وهذا بعض من المحتوى الذي أكتبه يمكنك الاطلاع عليه فأجابني بسرعة وبدون أن يلقي أي نظرة على المحتوى “ليس لدينا شواغر”. قلت له لا أريد أن أتوظف أريد فقط أن أنشر وإذا كان ما أكتبه لا يستحق النشر فسأحمل أوراقي وأغادر.
سناك سوري – بلال سليطين
ألقى نظرة عابرة على المواد التي كنت قد خططتها وطبعتها وبذلت جهداً كبيراً في جعلها ملفتة بصرياً ومهمة بالمحتوى. ومن ثم دفشني إلى مدير التحرير الذي ألقى علي محاضرة بنبرة الشاعر. وكان مضمونها عن المحتوى الجيد والمهنية الصحفية وأن الجريدة مسؤولية ولا يمكن لأي شخص أن يكتب فيها.
انتهت المحادثة بشكل غير ودي وممتلئ بالفظاظة والاستعلاء والتنظير، وغادرت المكان على غير ود بالزميلين ولا بالمؤسسة كلها. لكنه كان أمراً عادياً بالنسبة لي فقد كانت الخيارات محدودة ولا يوجد الكثير من وسائل الإعلام في البلاد. وكان لابد من شرف المحاولة التي لا أدعي لا اليوم ولا بالأمس أنه يجب لها النجاح.
بعد أقل من شهر تقدمت لوظيفة في موقع إلكتروني وحصلت عليها وبدأت العمل بسعادة بالغة. سعادة صحفي شاب في بداية حياته يرقص فرحاً كلما نشر محتوىً. ويغني كلما شاهد تعليقاً على مادة له، ويحتفل كلما كانت مادته الأكثر قراءة بالموقع آنذاك.
خبر مسروق على الصفحة الرئيسية
خلال أيام من انطلاقة العمل كنت أجلس في مقهى (للمثقفين) مع بعض الأصدقاء وكان الصديق “أحمد” صاحب المقهى قد أحضر الجريدة المحلية لأن فيها خبراً عن معرض أقيم في المقهى. التقطت الجريدة من على مكتبه وقبل أن أمضي إلى طاولتي لفت نظري على الصفحة الرئيسية من الأعلى خبر صغير. كان عبارة عن 200 كلمة يحمل عنواناً لخبر كنت قد نشرته أمس في الموقع الذي أعمل فيه وموضوعه “مقتل شخص” وقد كان خبراً خاصاً وفيه معلومات وتفاصيل حصلت عليها من مصادري آنذاك.
قرأت الخبر وأنا أشعر بالذهول فقد تم نسخه بالحرف وفقط حذف اسمي من عليه. وبالمناسبة لم ينشر بالصفحة الأخيرة حتى يتحجج البعض أنها صفحة “المختارات” وإنما في الصفحة الأولى. رغم رفضي القاطع لفكرة أن صحفة المُختارات يحق لها أن تنشر ماتشاء دون ذكر المصدر.
طلبت من صديق رقم هاتف رئيس التحرير واتصلت به وقلت له أنا فلان فرد علي بسرعة مو من فترة اجيت لعنا وقلتلك مافي مجال تكتب عنا. فأجبته صحيح لكنني أكتب عندكم اليوم معقول أنك لا تعرف أن خبري منشور بالصفحة الرئيسية لديكم لكنه مسروق سرقة.
ارتبك رئيس التحرير وأعاد صياغة مفرداته من جديد ودعاني لزيارة مكتبه وقال إن أبواب الجريدة مفتوحة لي.
احترام حقوق التأليف والترجمة والنشر وصيانتها والدفاع عنها وضمانها، وذلك بمنع الاعتداء على حقوق الغير، سواء عن طريق الانتحال أو الاقتباس من مؤلفاتهم وكتاباتهم دون الإشارة للمصدر أو غيرها. ميثاق الشرف الصحفي لاتحاد الصحفيين في سوريا
بالنسبة لي حينها لم أسكت على حقي وحملت القصة ودرت بها في كل مكان وأعتقد أن الزملاء في تلك الفترة مازالوا يذكرون أنني حتى طرحتها في مؤتمر لاتحاد الصحفيين بحضور رئيس التحرير المذكور.
لكن بالحقيقة أن هذه الصحيفة ورئيس تحريرها وطاقمها جميعهم كانوا متفقين حينها على عدم مهنية الفعل. حتى رئيس التحرير الذي لم تتحسن علاقتنا حتى يومنا هذا كان حاسماً بموضوع احترام المصادر وذكرها بوضوح. بالإضافة لعدم مهنية اقتباس مواد بأكملها وإنما يقتبس أجزاء ومقاطع منها مع ذكر مصادرها.
لماذا نقرأ هذه القصة؟
لماذا أذكر هذه الحادثة؟. لأنني قرأت تعليقاً لمسؤول في وسيلة إعلامية يوم أمس يقول إنه لا يمكنهم ذكر مصدر المعلومات عندما تكون مأخوذة من الانترنت. وطبعاً هو يجمع صفحات الفيسبوك مع المواقع الإلكترونية مع المدونات..إلخ ويضعها في نفس الخانة. وهذا خلط مهني بالحقيقة لكن فيما يتعلق بالمصادر فكلها تبقى مصادر أياً كان شكلها.
يعاقب بالغرامة من عشرين ألفا إلى مئة ألف ليرة سورية كل من ينقل أو ينشر أي محتوى إعلامي دون ذكر المصدر المنقول عنه دون الإخلال بحق المتضرر بالمطالبة بالتعويض. المادة 96 من قانون الإعلام الصادر بالمرسوم 108 لعام 2011.
ويضيف إنه يمكن لصفحة أن تكون قد أخذتها من صفحة أخرى، أو يمكن أن تكون الصفحة غير مسجلة لدى وزارة الإعلام ولذلك فهو يكتفي بالقول إن المصدر صفحات الإنترنت.
وبالحقيقة هذا الرد هو نسف عميق لقواعد وجوهر الأخلاقيات المهنية لموضوع المصادر الصحفية. فالقاعدة الأخلاقية بالمهنة حاسمة بأنه لا يجوز الاقتباس من أي مصدر دون ذكره بشكل واضح.
أما أنك لا تستطيع أن تعرف المصدر على فيسبوك بسبب التناقل فإن عدم معرفة المصدر يعني أن المعلومة مشكوك فيها وبالتالي لا يجوز نشرها. تقول القاعدة المهنية بضرورة التحقق من مصادر المعلومات وموثوقيتها بدقة ومهنية.
التعامل المهني مع مصادر المعلومات: الالتزام بتحري الدقة في توثيق المعلومات، ونسب الأقوال والأفعال إلى مصادر معلومة الصحافة الإلكترونية- منهاج كلية الإعلام سوريا
أما أنك لا تستطيع ذكر اسم صفحة إذا كانت غير مرخصة ولكنك تستطيع الاقتباس من صفحة غير مرخصة فهذه لم يفكر بها المشرعون ولا واضعو الأخلاقيات المهنية لأنهم لم يتوقعوا حدوثها. لذلك عليهم العمل على تحديثها.
بالمحصلة إن الأخطاء واردة في العمل الإعلامي فهذه مهنة يومية، ومن يخطئ يجب أن ينتقد ويتحمل النقد ويقبله سواء كان فرداً أو مؤسسة صحفية أو إعلامية بمختلف أشكالها. فكلنا خطاؤون وكلنا فينا عيوب ومشكلات ونعمل في بيئات وظروف معقدة.
لكن تبقى هناك قواعد لا يمكن تجاوزها وهي أن المصادر تبقى المصادر ولا يقبل بأي شكل تجاهلها أو إخفاؤها إلا بناء على طلبها. فكيف لوسيلة أن تخجل ذكر المصدر ولا تخجل النقل منه ولن أقول السرقة. هذه أشياء ربما تقع لكن وقوعها يعني أن تراجع وتصحح لنعود إلى القاعدة المهنية ومواثيق الشرف الصحفي.
الحقوق المعنوية أبدية للمؤلف وغير قابلة للتقادم أو التصرف فيها. قانون حماية حقوق المؤلف في سوريا